للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كثيرة لا تخفى على أحد، والله أعلم.

سادساً: - النَّظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِه عن سُفْيَانَ إلا عَبْدُ الكَبِيرِ الحَنَفِيُّ، وابن المُبَارَكِ، والأَشْجَعِيُّ.

قلتُ - والله أعلم -: لم يُسَلَّم للمُصَنِّف - رضي الله عنه - في ذلك، فلم يَنْفَرد به مَن ذكرهم فقطٌ عن سُفيان؛ بل رواه جماعة عن سُفيان غيرَهم، منهم: عبد الرَّزَّاق، وعلي بن قادم، وعبَّاد بن موسى، وشُعيب بن صَفْوان - كما سبق بيانه في التخريج -، والله أعلم.

وبمثل ذلك تعقَّبه الشيخ/ أبو إسحاق الحويني في "تنبيه الهاجد". (١)

سابعاً: - التعليق على الحديث:

الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر أصل عظيمٌ مِن أصول هذا الدين، بل هو سبب خيرية هذه الأمة على غيرها مِن الأمم، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (٢).

وبيَّن ربنا - جل جلاله - في كتابه أنَّ الذين كفروا مِنْ بني إسرائيل لُعِنوا على لسان داود وعيسى بن مريم؛ وبيَّن أنَّ مِن أسباب هذا اللعن هو تركهم النَّهى عن المنكر، فقال - جل جلاله -: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)} (٣)، قال القرطبي: في هذه الآية ذمٌ لتركهم النهي، وكذا مَنْ بَعْدَهم يُذَمُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهم. ثُمَّ قال القرطبي: قال ابن عطية: والإجماع مُنْعَقِدٌ على أنَّ النَّهي عن المنكر فرضٌ لِمَن أطاقه وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين، فإن خاف فيُنْكِر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه. وقال حُذَّاقُ أهل العلم: وليس من شرط الناهي أن يكون سليما عن معصية بل ينهى العصاة بعضهم بعضا. (٤)

وفي المقابل أخبرنا ربنا - عز وجل - عن قوم مِن أهل الكتاب كانوا يُنكرون المنكر على مَنْ فعله، وأنَّ الله عزّ وجلّ نجَّاهم مِن العذاب الذي وقع على العُصاة، فقال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥)} (٥)، فنص ربنا - سبحانه وتعالى - على نجاة مَن يَنْهَون عن المُنْكر،


(١) يُنظر: "تنبيه الهاجد إلى ما وقع مِنْ النظر في كتب الأماجد" حديث رقم (٨٦٦).
(٢) سورة "آل عمران"، آية (١١٠).
(٣) سورة "المائدة"، آية (٧٨ - ٧٩).
(٤) يُنظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ٦/ ٢٥٣ - ٢٥٤. ومن رام المزيد فليُراجع: "الجامع لأحكام القرآن"٤/ ٤٦ - ٤٩.
(٥) سورة "الأعراف"، آية (١٦٤ - ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>