للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سادسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لا يُرْوَى عن عبد اللَّه بن جَعْفَرٍ إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: ابنُ أبي فُدَيْكٍ.

قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّنُ صحة ما قاله المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

ووافقه على ذلك الأمام أبو نُعيم - كما سبق في التخريج -، فقال: هذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ، وَأَبِيهِ، وعبدِ اللهِ بن جَعْفَرٍ، لم يَرْوِهِ عنه إلا سَعِيدٌ، ولا عنه إلا ابنُ أبي فُدَيْكٍ.

وقال البزار: وهذا الكلامُ لا نعلم رواهُ بهذا اللَّفْظِ إلا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

قلتُ: بل رُوي عن جابر بن عبد الله لكن في سنده عَمرو بن شمر، وهو "متروك الحديث" - كما سبق -.

سابعًا: - التعليق على الحديث:

قال ابن بَطَّال: ثبت عن عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، كَانَ يَدْعُو فِى الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ». فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ المَغْرَمِ، فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ». (١)

فإن قيل: فقد عارض هذا الحديث ما رواه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّه قّالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعَ الْمَدِينِ حَتَّى يَقْضِيَ دِينَهُ، مَا لَمْ يَكُنْ دِينُهُ فِيمَا يَكْرَهُ اللَّهُ»، وكان عبد الله بن جعفر يقوله لحارثه: اذهب فخذ لي بدين، فإنِّي أكره أن أبيت الليلة إلا والله معي. قال الطبري: كلا الخبرين صحيحٌ، وليس في أحدهما دفع معنى الآخر، فأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعَ الْمَدِينِ حَتَّى يَقْضِيَ دِينَهُ، مَا لَمْ يَكُنْ دِينُهُ فِيمَا يَكْرَهُ اللَّهُ»، فهو المستدين فيما لا يكرهه الله، وهو يريد قضاءه، وعنده في الأغلب ما يؤديه منه فالله - جل جلاله - في عونه على قضائه. وأما المَغْرَم الذى استعاذ منه - صلى الله عليه وسلم - فإنَّه الدين الذى استدين على أوجه ثلاثة:

إما فيما يكرهه الله، ثم لا يجد سبيلاً إلى قضائه، أو مستدين فيما لا يكرهه الله، ولكن لا وجه لقضائه عنده، فهو متعرض لهلاك مال أخيه ومتلف له، أو مستدين له إلى القضاء سبيل، غير أنَّه نوى ترك القضاء وعزم على جحده، فهو عاص لربه ظالم لنفسه، فكل هؤلاء لوعدهم إن وعدوا من استدانوا منه القضاء يخلفون، وفى حديثهم كاذبون لوعدهم. وقد صحت الأخبار عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه استدان في بعض الأحوال، فكان معلومًا بذلك أن الحال التي كره ذلك - صلى الله عليه وسلم - فيها غير الحال التي ترخص لنفسه فيها. واستدان السلف: فاستدان عمر بن الخطاب وهو خليفة، وقال لما طعن: انظروا كم على من الدين، فوجوده ثمانين ألفًا أو أكثر، وما ثبت عن السلف من استدانتهم الدين مع تكريههم له، فيه الدليل الواضح على اختلاف الأمر في ذلك. (٢)

* * *


(١) أخرجه البخاري (٨٣٢)، ك/الآذان، ب/الدُّعَاء قَبْلَ السَّلَامِ، ومُسْلمٌ (٥٨٩)، ك/الصلاة، ب/مَا يُسْتَعَاذُ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ.
(٢) يُنظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (٦/ ٥٢٠ - ٥٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>