للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المطلب الأول: طلبه للعلم]

كان أوّل سماعه بطبرية سنة ثلاثٍ وسبعين ومائتين، وله ثلاث عشرة سنة، سمّعه أبوه، ورحل به؛ لأنّه كان له ماسَّة بالحديث. (١)

قال أبو بكر بن أبي عَليّ العدل - رَحِمَه الله تعالى -:

سَأَلَ وَالِدي - رَحِمَه الله - الطَّبَرَانِيَّ عن كَثْرَةِ حَدِيثه؟ فقال: كنت أَنَامُ على البَوَارِي (٢) ثلاثِينَ سنة. (٣) (٤)

[المطلب الثاني: رحلاته العلمية]

كعادة أهل العلم في طلب الحديث نشأ الطبراني - رضي الله عنه - في بلده يطلب العلم مِنْ شيوخها وعُلمائها، ولا شك أنَّ أولهم والده - رحمه الله - فقد كان صاحب حديث مِنْ أصحاب دُحيم.

وكان أول سماعه للحديث ببلده سنة ثلاثٍ وسبعين ومائتين، فواصل الليل بالنهار في طلب العلم لمدة عام، وسرعان ما بدأ في رحلته لطلب العلم يَشُقُّ الصحاري والجبال، ويمر على الأنهار والوديان، تاركًا الأهل والمال والأوطان، والشوق يحترق في قلبه لحديث النَّبي العدنان - صلى الله عليه وسلم -.

فرحل إلى القدس سنة أربعٍ وسبعين ومائتين، ثُمَّ إلى قيسارية وعكا سنة خمسٍ وسبعين ومائتين، ورحل إلى حلب سنة ثمان وسبعين ومائتين، ودخل اليمن تقريبًا سنة ثمانين ومائتين، وطاف بالبلدان كمصر، والحجاز وبغداد وغيرها، حتي دخل أصبهان في المرة الأولى سنة تسعين ومائتين، ومكث بها ست سنين تقريبًا، ثُم بدأ يرحل مَرَّة أخرى يطوف البلدان ويجوب الأقطار لمدةٍ استغرقت أربع عشرة سنة تقريبًا، ويعود إلى أصبهان للمرة الثانية سنة عشرٍ وثلاثمائة، فَيُقِيم بها مُحَدِّثًا ستين سنة؛ وعليه فتكون المدة التي قضاها منذ أن خرج مِنْ بلده طبرية سنة أربع وسبعين ومائتين، إلى أن عاد إلى أصبهان مستوطنًا بها سنة عشر


(١) يُنظر: "تاريخ الإسلام" (٨/ ١٤٣).
(٢) البواري: الحصير المعمول مِنْ القصب. يُنظر: "لسان العرب" (١/ ٣٨٦).
(٣) يُنظر: "جزءٌ فيه ذكر أبي القاسم الطبراني" (ص/٣٧)، "تاريخ دمشق" (٢٢/ ١٦٥).
(٤) في مثل هذا الموطن يحسنُ بي أن أنقل ما قال الإمام أبو عبد الله الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص/٢ - ٣) في ذكر مناقب أهل الحديث: فقد أخرج بسنده عن مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «لَا يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمُ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، وأسند أبو عبد الله الحاكم عن الإمام أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، أَنَّه سُئِلَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: «إِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ؟!» .. ثُمَّ قال الحاكم: لقد أَحْسَنَ أحمد بن حَنْبَلِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَنْصُورَةَ الَّتِي يُرْفَعُ الْخِذْلَانُ عَنْهُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ هُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَمَنْ أَحَقُّ بِهَذَا التَّأْوِيلِ مِنْ قَوْمٍ سَلَكُوا مَحَجَّةَ الصَّالِحِينَ، وَاتَّبَعُوا آثَارَ السَّلَفِ مِنَ الْمَاضِينَ، وَدَمَغُوا أَهْلَ الْبِدَعِ وَالْمُخَالِفِينَ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ قَوْمٍ آثَرُوا قَطْعَ الْمَفَاوِزِ وَالْقِفَارِ، عَلَى التَّنَعُّمِ فِي الدّمَنِ وَالْأَوْطَارِ، وَتَنَعَّمُوا بِالْبُؤْسِ فِي الْأَسْفَارِ، مَعَ مُسَاكَنَةِ الْعِلْمِ وَالْأَخْبَارِ، وَقَنَعُوا عِنْدَ جَمْعِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ بِوُجُودِ الْكِسَرِ وَالْأَطْمَارِ، قَدْ رَفَضُوا الْإِلْحَادَ الَّذِي تَتُوقُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ الشَّهْوَانِيَّةُ، وَتَوَابِعُ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْمَقَايِيسِ وَالْآرَاءِ وَالزَّيْغِ؛ جَعَلُوا الْمَسَاجِدَ بُيُوتَهُمْ، وَبَوَارِيَها فُرُشَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>