للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي إسحاقَ إلا إسرائيلُ، تَفَرَّدَ به: مُؤَمَّلٌ.

قُلتُ - والله أعلم -: هذا الكلام فيه نظر؛ فقد أخرج ابن خُزيمة في "صحيحه" (٢٤٨٩)، قال: حدَّثنا يَزِيدُ بن سِنَان، حدَّثنا حُسَيْنُ بن الحسن الأَشْقر، حدَّثنا زُهَيْرٌ، عن أبي إسحاق، عن عَمْرِو بن الحارث، عن جُوَيْرِيَة، قالت: وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا، وَلا دِرْهَمًا، ولا عَبْدًا ولا أَمَةً إِلا بَغْلَتَهُ، وَسِلاحَهُ، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً.

وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (١٥٢٨)، قال: أخبرني عَبْدُ اللَّهِ بن الحسين، ثنا الحارثُ بن محمَّد، ثنا أبو النَّضْرِ، ثنا زُهَيْرٌ، به. وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ.

فرواية ابن خُزيمة والحاكم تُثبت وتؤكد أنَّ إسرائيل بن يُونس لم يَنْفَرد بهذا الوجه عن أبي إسحاق، بل تابعه زُهير بن مُعاوية - بإحدى الأوجه عنه -.

إلا أنَّ مُتابعة زُهيرٍ بهذا الوجه لا يُعْتبر بها فإسناد ابن خُزيمة فيه الحُسين بن الحسن الأشقر "ضعيفٌ" (١) مع مخالفته لِمَا رواه عامة الثقات عن زُهير، وأمَّا إسناد الحاكم فهو وإنْ كان رجاله ثقاتٌ، لكنَّ أبا النَّضر هاشم بن القاسم قد خالف ما رواه عامة الثقات عن زُهير بن معاوية، وقد أخرجه البخاري في "صحيحه" - كما سبق في التخريج - مِن طريق زُهير عن أبي إسحاق عن عَمرو بن الحارث مِن قوله - والله أعلم -.

وعليه؛ فكلام الطبراني - رضي الله عنه - غير مُسَلَّم على إطلاقه؛ ولو قال: لم يَرْوه عن إسرائيل إلا مُؤَمَّل بن إسماعيل لكان أولى، أو أن يُقيد كلامه فيقول: لم يروه عن أبي إسحاق إلا إسرائيل مِنْ وجهٍ صحيحٍ ثابت، والله أعلم.

تنبيه: كلام الطَّبراني مُقَيَّدٌ بالوجه الأول، كما هو ظاهرٌ، والله أعلم.

سادساً: - التعليق على الحديث:

كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مِن أغنى النَّاس مادياً حتى يأتيه الرجل فيُعطيه غنماً بين جبلين فعن أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه -، قال: " مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإِسْلَامِ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الْفَاقَةَ " (٢)، وكان - صلى الله عليه وسلم - أغنى النَّاس معنوياً بربه - جل جلاله -، ومع هذا فهو - صلى الله عليه وسلم - أزهد النَّاس في الدنيا، فيموت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وليس له في الدنيا ما يملكه إلا بَغْلته البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقةً في سبيل الله - جل جلاله -، فإنَّ الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده - كما هي عند الله - من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثا، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، (٣)

لذا وجب على المؤمن أن يستأنس برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا حصَّل من الدنيا شيئاً فليؤد حق الله - جل جلاله - فيما أخذه منها، ولا يَطْمع في الدنيا،


(١) يُنظر: "تهذيب الكمال" ٦/ ٣٦٨، "تحرير التقريب" (١٣١٨).
(٢) أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه" (٢٣١٢) ك/الفضائل، ب/ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لَا، وَكَثْرَةُ عَطَائِهِ.
(٣) يُنظر: "البداية والنهاية" لابن كثير (٨/ ١٧٩) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>