للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تنبيه: قال أبو حاتم: لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تخليل اللحية حديث. (١) وقال الإمام أحمد: ليس يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التخليل شيء. (٢) وقد حمل ابن الملقن قولهما على غير حديث عثمان، واستدل على ذلك بما قاله الإمام أحمد، قال: تخليل اللحية قد رُوي فيه أحاديث ليس يثبت فيها حديث، وأحسن شيء فيه حديث شقيق بن عثمان. (٣)

رابعًا: - النَّظر في كلام المصنف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المصنف - رضي الله عنه -: لم يروه عن حُمَيد إلا إسماعيل بن جعفر، تفرَّد به إسحاق بن عبد الله.

مما سبق يتضح صحة ما قاله المصنف - رضي الله عنه -، وهذا تَفَرُّدٌ نِسْبِيٌّ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، والحديث قد ثبت من طرق أخرى عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، من غير طريق حُميد الطويل، والله أعلم.

خامسًا: - التعليق على الحديث:

- قال الشوكاني: والإنصافُ أنَّ أحاديثَ البَابِ بعد تَسْلِيمِ انتهاضها للاحتجاجِ وصلاحِيَّتِهَا للاستدلال لا تَدُلُّ على الوُجُوبِ؛ لأنَّهَا أَفْعَالٌ، وما وَرَدَ في بعض الرِّوَايَاتِ مِنْ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي" لا يُفِيدُ الوُجُوبَ على الأُمَّة لظُهُورِهِ في الاختِصَاصِ به، وهو يَتَخَرَّجُ على الخلاف المشهور في الأصول هل يَعُمُّ الأُمَّة ما كان ظاهر الاختِصَاصِ به أم لا؟ والفرائضُ لا تَثْبُتُ إلا بِيَقِينٍ، والحكمُ على ما لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ بالفَرْضِيَّةِ كالحكم على ما فَرَضَهُ بعدهما، لا شَكَّ في ذلك لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما مِنْ التَّقَوُّلِ على اللَّهِ بما لم يَقُلْ؛ وقال الشافعي، وأبو حنيفة وأصحابهما، والثوري، والأوزاعي، والليث، وأحمد، وإسحاق، والطبري، وأكثر أهل العلم: أن تخليل اللحية واجبٌ في غسل الجنابة، ولا يجب في الوضوء. (٤)

- فإن قيل: لِمَ لَمْ يَرِد في الأحاديث المشهورة في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فجوابه ما ذكره ابن القيم: أنَّه كان يُخَلِّلُ لِحْيَتَه أحيانًا، ولم يكن يواظب على ذلك، وقد اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِيهِ، فَصَحَّحَ الترمذي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ أحمد، وَأَبُو زُرْعَةَ: لَا يَثْبُتُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ حَدِيثٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ الَّذِينَ اعْتَنَوْا بِضَبْطِ وُضُوئِهِ كعثمان وعلي وعبد الله بن زيد والربيع - رضي الله عنهم - وَغَيْرِهِم. (٥)

- ولذلك قال رحمه الله في "إعلام الموقعين": إنَّ الصَّحَابِيَّ إذا قَالَ قَوْلًا أَوْ حَكَمَ بِحُكْمٍ أَوْ أَفْتَى بِفُتْيَا فَلَهُ مَدَارِكُ يَنْفَرِدُ بِهَا عَنَّا، وَمَدَارِكُ نُشَارِكُهُ فِيهَا، فَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَفَاهًا أَوْ


(١) يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (١/ ٥٥٣/ مسألة ١٠١).
(٢) "مسائل أبي داود" (ص/٧). وقد نقل كلام أبي حاتم وأحمد كلًا من ابن القيم في "تهذيب السنن" ١/ ٢٣٦، والزيلعي في "نصب الراية" ١/ ٢٦، وابن الملقن في "البدر المنير" ١/ ١٩٢، وابن حجر في "الدراية" ١/ ٢٣، وفي "التلخيص الحبير" ١/ ١٥٣.
(٣) يُنظر: "البدر المنير" (١/ ١٩٢).
(٤) يُنظر: "نيل الأوطار" (١/ ١٩٠).
(٥) يُنظر: "زاد المعاد" (١/ ١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>