للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بسنده مِنْ طريق ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ».

_ والبخاري في "صحيحه" (٤٨٢٦)، ك/التفسير، ب/قوله تعالى {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ}، وبرقم (٧٤٩١)، ك/التوحيد، ب/قَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ}، ومُسْلمٌ - واللفظ له - (٢٢٤٦/ ٢،٣)، ك/الألفاظ مِنْ الأدب، ب/النَّهي عن سب الدَّهر، عن الزُّهْرِيِّ، عن ابنِ المُسَيِّبِ، عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: قَالَ اللهُ - عز وجل -: " يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا ".

رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِه عن سَعِيدٍ إلا إبراهيم، ولا رواهُ عن أبي الزُّبَيْرِ إلا سَعِيدٌ.

قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

خامساً: - التعليق على الحديث:

قال الحافظُ المُنْذِرِيُّ: ومعنى الحديث أنَّ العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلةٌ، أو أصابتهُ مُصِيبَةٌ، أو مكروهٌ يَسُبُّ الدَّهر؛ اعْتِقَادًا منهم أنَّ الذي أَصابه فِعْلُ الدَّهر، كما كانت العرب تَسْتَمْطِرُ بالأنواء، وتقول: مُطِرْنَا بِنُوءِ كذا، اعْتِقَادًا أنَّ ذلك فعل الأنواء، فكان هذا كاللعن للفاعل، ولا فاعل لكلِّ شَيءٍ إلا اللَّهُ - سبحانه وتعالى - خالقُ كلَّ شَيءٍ وفاعلُهُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وكان ابنُ دَاوُدَ يُنْكِرُ رواية أهل الحديثِ "وَأَنَا الدهرُ" بِضَمِّ الرَّاء، ويقول: لو كان كذلك كان الدَّهْرُ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - سبحانه وتعالى -، وكان يرويه "وَأَنَا الدهرَ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" - بِفَتْحِ رَاءِ الدَّهْرِ، على الظَّرْفِ -، معناه: أنا طول الدَّهرِ والزَّمَانِ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، ورجَّح هذا بعضهم، ورواية مَنْ قال: "فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ" يَرُدُّ هذا، والجمهور على ضَمِّ الرَّاءِ، واللَّهُ أعلمُ. (١)

_ وقال النووي: وأما قوله: "وَأَنَا الدهرُ" فإنه برفع الراء، هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماهير المتقدمين والمتأخرين؛ قال العلماء: وهو مجاز، وسببه: أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك، فيقولون: يا خيبة الدهر، ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»، أي: لا تسبوا فاعل النوازل، فإنكم إذا سببتم فاعلها، وقع السب على الله تعالى؛ لأنَّه هو فاعلها ومنزلها، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له، بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى، ومعنى: "فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ"، أي: فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات، والله أعلم. (٢)

* * *


(١) يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة" للبوصيري (٦/ ٦٤ - ٦٥).
(٢) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلمٌ بن الحجاج" (١٥/ ٢ - ٣)، و"النهاية في غريب الحديث" (٢/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>