للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَعَقِبَكَ مَا بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّهَا لِمَنْ أُعْطِيَهَا، وَإِنَّهَا لا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ ".

وعند مُسلمٍ أيضًا برقم (١٦٢٥/ ٤)، مِنْ طريق ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِيمَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لَهُ بَتْلَةً (١)، لا يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْطٌ، ولا ثُنْيَا، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ، فَقَطَعَتِ الْمَوَارِيثُ شَرْطَهُ.

سادسًا: - التعليق على الحديث:

قال الإمام النووي: قال أصحابنا العمرى ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يقول أعمرتك هذه الدار، فإذا مِتُّ فهي لورثتك أو لعقبك، فتصح بلا خلاف، ويملك بهذا اللفظ رقبة الدار، وهي هبة، لكنَّها بعبارة طويلة، فإذا مات فالدار لورثته، فإن لم يكن له وارث فلبيت المال، ولا تعود إلى الواهب بحال؛ خلافًا لمالك.

الحال الثاني: أن يقتصر على قوله: جعلتها لك عمرك، ولا يتعرض لما سواه، ففي صحة هذا العقد قولان للشافعي، أصحهما وهو الجديد صحته، وله حكم الحال الأول، والثاني وهو القديم أنَّه باطلٌ، وقال بعض أصحابنا: إنما القول القديم أنَّ الدار تكون للمعمر حياته، فإذا مات عادت إلى الواهب، أو ورثته، لأنَّه خصه بها حياته فقط، وقال بعضهم القديم أنَّها عارية يستردها الواهب متى شاء، فإذا مات عادت إلى ورثته.

الثالث: أن يقول جعلتها لك عمرك، فإذا مت عادت إلي أو إلى ورثتي إن كنت مت، ففي صحته خلاف عند أصحابنا، منهم مَنْ أبطله، والأصح عندهم صحته، ويكون له حكم الحال الأول، واعتمدوا على الأحاديث الصحيحة المطلقة "العمرى جائزة"، وعدلوا به عن قياس الشروط الفاسدة، والأصح الصحة في جميع الأحوال، وأنَّ الموهوب له يملكها ملكًا تامًا يتصرف فيها بالبيع وغيره من التصرفات هذا مذهبنا، وقال أحمد: تصح العمرى المطلقة دون المؤقتة، وقال مالك في أشهر الروايات عنه: العمرى في جميع الأحوال تمليك لمنافع الدار مثلًا، ولا يملك فيها رقبة الدار بحال، وقال أبو حنيفة بالصحة كنحو مذهبنا، وبه قال الثوري، والحسن بن صالح، وأبو عبيدة؛ وحجة الشافعي وموافقيه هذه الأحاديث الصحيحة، والله أعلم. (٢)

* * *


(١) بتلة: أي واجبة، وقد ملكها ملكا لا يَتطرَّق إِلَيْهِ نَقْض، وهي عطية ماضية غير راجعة إلى الواهب. يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم" (١١/ ٧٠)، "النهاية في غريب الحديث" (١/ ٩٤).
(٢) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مُسلم" (١١/ ٧٠)، "فتح الباري" لابن حجر (٥/ ٢٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>