للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خامسًا: - النظر في كلام المصنف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المصنف - رضي الله عنه -: لمْ يروِ هذا الحديث عن يوسف بن محمد، إلا محمد بن عيسى.

قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يتضح أنَّ هذا الحديث لمْ ينفرد بروايته محمد بن عيسى، عن يوسف بن محمد، بل تابعه عبد الرحمن بن عُبيد الله الحلبي؛ وأخرج رواية عبد الرحمن هذه ابن عدي في "الكامل"، وأبو طاهر السِّلفي في "المشيخة البغدادية" كما سبق بيانه في التخريج.

- وعبد الرحمن بن عُبيد الله هذا "ثِقَةٌ" (١)، والإسناد إليه صحيح.

سادسًا: - التعليق على الحديث:

- قال ابن حبَّان - رضي الله عنه -: الواجب على العاقل أن يداري الناس مداراة الرجل السابح في الماء الجاري، ومن ذهب إلى عشرة الناس من حيث هو؛ كدَّر على نفسه عيشه، ولم تصف له مودته، لأن وداد الناس لا يستجلب إلا بمساعدتهم على مَا هم عَلَيْهِ؛ إلا أن يكون مأثما، فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة، والبَشَر قد رُكِّب فيهم أهواء مختلفة، وطبائع متباينة، فكما يشق عليك ترك مَا جُبلت عَلَيْهِ؛ فكذلك يشق على غيرك مجانبة مثله، فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلا بمعاشرتهم من حيث هم، والإغضاء عَن مخالفتهم.

- وقال ابن حبَّان - رضي الله عنه - أيضًا: من التمس رضا جميع الناس التمس مالا يُدرك، ولكن يقصد العاقل رضا من لا يجد من معاشرته بُدًا، وإن دفعه الوقت إلى استحسان أشياء من العادات كان يستقبحها، واستقباح أشياء كان يستحسنها مَا لم يكن مأثما؛ فإن ذلك من المداراة، وما أكثر من دارى فلم يسلم فكيف توجد السلامة لمن لا يداري. (٢)

- وقال سَهْل بن عبد الله التستريُّ: مَنْ خَالَطَ النَّاس دَارَاهُمْ ولم يُمَارِهِمْ، فإنَّ مُدَارَاتُهِمْ صَدَقَةً، ومُدَارَاةُ الوَالِدِ فَرِيضَةٌ، ومُدَارَاةُ ذوي الأَرْحَامِ سُنَّةٌ، ومُدَارَاةُ السُّلْطَانِ طَاعَةٌ، ومُدَارَاةُ أهلِ البِدَعِ مُدَاهَنَةٌ، وَمُدَارَاةُ الْأَحْمَقِ شَرَفٌ، وَالشَّرَفُ التَّغَافُلُ، وَالسَّلَامَةُ لِلْجَمِيعِ التَّقَرُّبُ لِلَّهِ - عز وجل -. (٣)

* * *


(١) يُنظر: "التقريب، وتحريره" (٣٩٣٩).
(٢) يُراجَع كلام ابن حبَّان في "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (ص/٧٣ - ٧٧).
(٣) يُنظر: "شعب الإيمان" (٦/ ٣٥١)، ويُنظر: "فتح الباري" (١٠/ ٤٥٤)، "التيسير بشرح الجامع الصغير" (٢/ ٣٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>