للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سادساً: - التعليق على الحديث:

قال الحافظ ابن حجر: قوله: "فَابْدَءُوا بِالعَشَاءِ" حمل الجمهور هذا الأمر على الندب، ثم اختلفوا: فمنهم من قيده بمن كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية، وزاد الغزالي: ما إذا خشي فساد المأكول، ومنهم من لم يقيده، وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق، وأفرط ابن حزم فقال: تبطل الصلاة، ومنهم من اختار البداءة بالصلاة، إلا إن كان الطعام خفيفا نقله ابن المنذر عن مالك، وعند أصحابه تفصيل، قالوا: يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق النفس بالأكل، أو كان متعلقا به لكن لا يعجله عن صلاته فإن كان يعجله عن صلاته بدأ بالطعام واستحبت له الإعادة. (١)

قال الشافعي: أمر النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِحُضُورِ الصَّلاة في الجماعة، لفضل الجماعة على الِانْفِراد، ورخَّص في التَّخَلُّف عن الجماعة لمعنى، وذلك أنْ يَحْضُر عَشَاءُ أحدهم فتُقام الصَّلاةُ، أو تُقام الصَّلاةُ وهو يحتاج إلى الوضوء حاجة حاضرة، وقد نُهي أنْ يُصلِّي وهو يُدافع الأخبثين: الغائط والبول، ولو صلَّى أجزأت عنه صلاتُه؛ ولكنَّه مُرَخَّصٌ له للعذر في ترك الجماعة، ومحبوبٌ له أن يدخل في الصَّلاة لا شاغل لقلبه عنها، ولا مُعَجِّل له عن إكمالها، والأغلب ممَّا يَعرفُ النَّاس أنَّه إذا دخلها وبه حاجة إلى تعجيل قضاء الحاجة، كاد أنْ يجمع أمرين: العجلة عن الإكمال، والشُّغل عن الإقبال، وقد يُخاف هذا على مَنْ حضر عشاؤُه لحاجة النَّاس إلى المطعم، وتوقان أنفسهم إليه، ولا سيَّما أهل الصَّوم والحاجة إلى المأكول. (٢)

قال الترمذي: وهذا الحديث هو الذي عليه العَمَلُ عند بعض أهل العلم مِن أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - منهم: أبُو بكر، وعُمَر، وابن عُمَر - رضي الله عنهم -، وبه يقول أحمد، وإسحاق، يقولان: يبدأُ بِالعَشَاءِ وإنْ فاتته الصَّلاةُ في الجماعة.

ثُمَّ قال: سَمِعتُ الجَارُودَ، يقول: سمِعْتُ وكيعًا يقول في هذا الحديث: يَبْدَأُ بِالعَشَاءِ إذا كان طعامًا يَخَافُ فساده.

والذي ذهب إليه بَعْضُ أهل العلم مِنْ أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أشبه بالاتِّباعِ، وإنَّما أرادوا أنْ لا يقُوم الرَّجُلُ إلى الصَّلَاة وقلبُهُ مَشْغُولٌ بِسَبَب شيءٍ، وقد رُوي عن ابن عبَّاس أنَّه قال: لا نَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَفِي أَنْفُسِنَا شَيْءٌ. (٣)

قال النووي: في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله؛ لما فيه من ذهاب كمال الخشوع، ويلتحق به: ما في معناه مِمَّا يَشْغل القلب، وهذه الكراهة عند جمهور أصحابنا وغيرهم إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة، فإذا ضاق بحيث لو أكل أو تطهر خرج وقت الصلاة: صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها، وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحةٌ عندنا وعند الجمهور، لكن يُستحب إعادتها ولا يجب. (٤)

* * *


(١) يُنظر: "فتح الباري" (٢/ ١٦٠).
(٢) يُنظر: "شرح مُشْكِل الآثار للطحاوي" (٥/ ٢٣٩).
(٣) يُنظر: "سنن الترمذي" حديث برقم (٣٥٣)، "شرح ابن ماجه" لمغلطاي (١/ ١٥٨٠).
(٤) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (٥/ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>