للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابْنَةِ الْأَخِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، مِنْ طُرُقٍ عن قَتَادَة، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ، فَقَالَ:«إِنَّهَا لا تَحِلُّ لِي، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّحِمِ».

خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّفُ - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ. (١)

قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.

سادسًا: - التعليق على الحديث:

• قال الإمام النووي: هذه الأحاديثُ مُتَّفِقَةٌ على ثُبُوتِ حرمة الرَّضَاعِ، وأجمعت الأُمَّةُ على ثُبُوتِهَا بَيْنَ الرَّضِيعِ والمُرْضِعَةِ، وأنَّه يَصِيرُ ابْنَهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا أَبَدًا، وَيَحِلُّ له النَّظَرُ إليها، والخلوةُ بها، والمُسَافَرَةُ، ولا يترتَّبُ عليه أحكام الأُمُومَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فلا يَتَوَارَثَانِ، ولا يَجِبُ على واحد منهما نَفَقَةُ الآخَرِ، ولا يُعْتَقُ عليه بالملك، ولا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لها، ولا يَعْقِلُ عنها، ولا يَسْقُطُ عنها القِصَاصُ بِقَتْلِهِ، فهما كالأَجْنَبِيَّيْنِ في هذه الأحكام، وأجمعوا أيضًا على انْتِشَارِ الحُرْمَةِ بين المُرْضِعَةِ وأولاد الرَّضِيعِ، وبين الرَّضِيعِ وأولاد المُرْضِعَةِ، وأنَّهُ في ذلك كولدها مِنَ النَّسَبِ لهذه الأحاديث.

وأمَّا الرَّجُلُ المَنْسُوبُ ذلك اللَّبَنُ إليه لكونه زَوْجَ المرأة أو وطئها بِمِلْكٍ أو شُبْهَةٍ فمذهبنا ومذهب العُلَمَاءِ كافَّةً ثُبُوتُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ بينه وبين الرَّضِيعِ ويصِيرُ وَلَدًا له، وأولاد الرَّجُلِ إِخْوَةَ الرَّضِيعِ وأخواته، وتكون إخوة الرَّجُلِ أعمام الرَّضِيعِ، وأخواتُهُ عَمَّاتِهِ، وتكون أولاد الرَّضِيعِ أولاد الرَّجُلِ، ولم يُخَالِفْ في هذا إلا أَهْلُ الظاهر وابن عُلَيَّة، فقالوا: لا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بَيْنَ الرجل والرضيع، ونقله المازري عن ابن عُمَرَ وعائشة، واحتجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (٢) ولم يَذْكُرِ البنت والعَمَّةَ كما ذكرهُمَا في النَّسَبِ، واحتجَّ الجُمْهُورُ بهذه الأحاديث الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ في عَمِّ عائشة وعَمِّ حَفْصَةَ، وَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ إِذْنِهِ فِيهِ «إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الوِلَادَةِ». وأجابوا عمَّا احْتُجُّوا به مِنَ الْآيَةِ أنَّهُ ليس فيها نَصٌّ بإِبَاحَةِ البنت والعَمَّةِ ونحوهما؛ لأنَّ ذكر الشَّيءِ لا يَدُلُّ على سُقُوطِ الحكم عمَّا سِوَاهُ لو لم يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ آخَرُ، كيف وقد جاءت هذه الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ؟! وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (٣)

* * *


(١) وهذا القول ذكره المُصَنِّف - رضي الله عنه - عقب الحديث رقم (٥٥٣) - كما سيأتي بإذن الله - عز وجل -.
(٢) سورة "النساء"، آية (٢٣).
(٣) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (١٠/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>