للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولكنّ اللفظ الذي رواه ثوْبان لم يُتابعه عليْه فيما اتصل لنا من أهل الحديث أحد.

قلتُ: ولم أقف - على حد بحثي - على أحدٍ من الصحابة روى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا التَّمام، لكن روى عن الصحابة رضي الله عنهم ببعض أجزائه، ففي "صحيح مسلم"، عن عائشة رضي الله عنها، بذكر السؤال عن مكان الناس، يوم تُبَدَّل الأرض والسماوات، فقط. (١)

وعند مسلم أيضًا من حديث أمِّ سُلَيْم رضي الله عنها، بذكر صفة مني الرجل، والمرأة، وأنَّ الولد مخلوقٌ من مائهما (٢)، وفي الباب أيضًا من حديث ابن عباس (٣)، وغيره.

• ونلاحظ أنّ عبارة المصنف - رضي الله عنه - أدقّ وأحكم؛ بقوله: تفرَّد به معاوية بن سَلَّام، وهذا بخلاف البزار، حيث قال: ولا نعلم له طريقًا عن ثوْبان إلا هذا الطريق - وقد أخرج الحديث من طريق أبي توبة الرَّبيع بن نافع -، وكما سبق فلم ينفرد به الرَّبيع بن نافع، بل تابعه ثلاثةٌ من الرواة، وهم: يحيى بن حسَّان، ومرْوان بن محمد، ومَعْمَر بن يَعْمَر - وبيَّنْتُ مَنْ أخرج روايتهم في التخريج -.

خامسًا: - التعليق على الحديث:

• قال ابن القيّم - رحمه الله -: إِنَّ سبْق أحد المائين سَبَب لشَبَه السَّابِق مَاؤُهُ، وعلوّ أَحدهمَا سَبَب لمجانسة الوَلَد للعالي مَاؤُهُ، فها هُنَا أَمْرَانِ: سبقٌ، وعُلوٌ، وقد يتفقان وقد يفترقان، فَإِنْ سبق ماءُ الرجل ماءَ المَرْأَة وعلاه كان الولد ذكرا والشَّبَه للرجل، وَإِنْ سَبَق ماءُ المَرْأَة وعلا ماءَ الرجل كانت أُنْثَى والشبه للْأُم، وَإِن سبق أَحدهمَا وَعلا الآخر كان الشّبَه للسابق مَاؤُهُ، والإذكار والإيناث لمن علا مَاؤُهُ.

• وقد أجاب - رحمه الله - عن التعارض الظاهري بين حديث الباب، وبين حديث سؤال الملك: أذَكَرًا أم أُنثى؟ فقال: فَإِنَّ الله - عز وجل - قدَّر مَا قدَّره من أَمر النُّطْفَة من حِين وَضعهَا فِي الرَّحِم إِلَى آخر أحوالها بِأَسْبَاب قدرهَا، حَتَّى الشقاوة والسعادة والرزق وَالْأَجَل والمصيبة، كل ذَلِك بِأَسْبَاب قدرهَا، وَلَا يُنكر أَن يكون للإذكار والإيناث أَسبَاب كَمَا للشبه أَسبَاب، لكَون السَّبَب غير مُوجب لمسببه، بل إِذا شَاءَ الله جعل فِيهِ اقتضاءه، وَإِذا شَاءَ سلبه اقتضاءه، وَإِذا شَاءَ رتّب عَلَيْهِ ضد ما هُوَ سَبَب لَهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يفعل هَذَا تَارَة وَهَذَا تَارَة وَهَذَا تَارَة فالموجب مَشِيئَة الله وَحده، فالسبب مُتَصَرَّفٌ فيه، لا مُتَصَرِّف، مَحْكُوم عَلَيْهِ، لا حَاكمٌ، مُدَبَّرٌ، ولا مُدَبِّر فلا تَضَادَّ بَين قيام سَبَب الإذكار والإيناث وسؤال الملك ربه تَعَالَى أيُّ الأمريْنِ يحدثه في الجَنِين، وَلِهَذَا أخبر سُبْحَانَهُ أَن الإذكار والإيناث وجمعهما هبة محضة مِنْهُ سُبْحَانَهُ رَاجع إِلَى مشيئته وَعلمه وَقدرته. (٤)

• وأمَّا عن تحديد جنس الجنين، فهذا قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العلم الإسلامي بشأن هذا الموضوع: إن المجمع يؤكد على أن الأصلَ في المسلم التسليمُ بقضاءِ الله وقدره، والرضى بما يرزقه الله؛ من


(١) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٢٧٩١)، ك/صفة القيامة والجنة والنار، ب/في البعث والنشور، وصفة الأرض يوم القيامة.
(٢) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٣١١)، ك/الحيض، ب/وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها.
(٣) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (٩٠٢٤)، ك/عشرة النساء، ب/ كيف تؤنث المرأة، وكيف يذكر الرجل.
(٤) يُنظر: "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص/٤٥٠ - ٤٥٥)، و"شرح مُشْكِل الآثار" للطحاوي (٧/ ٨٦ - ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>