للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:

مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مَدَاره على عبد الواحد بن زِيَاد، واختلف عنه مِنْ وجهين:

الوجه الأول: عبد الواحد، عن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -.

ورواه عن عبد الواحد بن زِياد بهذا الوجه اثنان مِن الثقات الأثبات: عفَّان بن مسلم، ومُسدد بن مُسرْهد.

الوجه الثاني: عبد الواحد بن زِياد، عن الحارث بن حَصَيْرة، عن زيد بن وهبٍ، عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -.

بينما لم يروه عن عبد الواحد بهذا الوجه إلا يعقوب بن إسحاق، قال أحمد وأبو حاتم وابن حجر: صدوقٌ، وقال الذهبي: ثِقَةٌ. ولم أقف - على حد بحثي - على أحدٍ تابعه عن عبد الواحد بهذا الوجه. وقد رواه عن يعقوب: أحمد بن محمد بن نَيْزَك، وأحمد هذا في حفظه شيءٌ.

وعليه؛ فالذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الأول هو الأقرب إلى الصواب، للقرائن الآتية:

١) الأكثرية، والأحفظية: فرواة الوجه الأول أكثر عددًا، وأضبط حفظًا مِنْ رواة الوجه الثاني.

٢) ضعف الإسناد إلى الوجه الثاني: ففيه أحمد بن محمد بن نَيْزَك، وهو: صدوقٌ في حفظه شيءٌ. (١)

رابعاً: - الحكم على الحديث:

مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِن وجهه الراجح بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لانقطاع سنده: فيه عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود لم يَسْمع مِنْ أبيه على الراجح إلا أربعة أحاديث - وهذا الحديث ليس مِنْها -، ودلَّس عنه الباقي، فيُتَوقف في عنعنته عن أبيه خاصة، ولم أقف - على حد بحثي - على رواية صرَّح فيها بالسماع.

قال الحاكم: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يَسمع مِن أبيه في أكثر الأقوال. وقال الذهبي: لم يَسمع عبد الرحمن مِن أبيه. وقال البوصيري: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثقاتٌ، وهو في الصَّحيح باختصار. (٢)

وقال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يَعْلَى، والبزَّار، والطَّبرانيُّ في الثَّلاثة، وَرِجَالُهُم رجال الصَّحِيحِ غير الحارث بن حَصِيْرَة، وقد وُثِّقَ. (٣) وقال الشيخ/أحمد شاكر: إسناده صحيحٌ.

قلتُ: ولعلَّ الإمام الهيثمي، والشيخ شاكر اعتمدا قول مَن أثبت سماعه مِن أبيه، وسبق تفصيله.

قلتُ: وأصل الحديث عن ابن مسعود في "الصحيحين" وغيرهما باختصار، أي: بدون ذكر "الصفوف":

• فأخرج البخاري ومسلمٌ مِن طريق أبي إسحاق السَّبِيعيِّ، عن عَمْرِو بن مَيْمُون، عن ابن مسعود، قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ


(١) وقد اعتبر محقق "مسند أحمد" ط/ دار الرسالة الحديث بالوجه الثاني مِن طريق عبد الواحد بن زِياد، عن الحارث بن حَصَيْرة، عن زيد بن وهبٍ، عن عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه -، مُتابع للحديث مِنْ وجهه الأول، وليس هذا على منهج النقاد أهل هذا الفن، لكون ما ترجح خطأ الرواة فيه فلا يصح الاعتبار به، وهنا تظهر أهمية دراسة علم العلل، والله أعلم.
(٢) وسبق ذكر هذه الأقوال في التخريج.
(٣) يُنظر: "مجمع الزوائد" (١٠/ ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>