للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن زكريا بن يحيى إلا جَرِيرٌ.

قلتُ: ومِنْ خلال ما سبق في التخريج يتضح صحة قول المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

خامساً: - التعليق على الحديث:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ مِنَ الْفِطْرَةِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " الْفِطْرَةُ خَمْسٌ - أَوْ: خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ - الْخِتَانُ وَالاسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ " (١).

وَاتَّفَقَوا كذلك عَلَى أَنَّ الأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ مِنَ السُّنَّةِ، لِلْحَدِيث السَّابِق، ولحديث الباب.

قال النووي: وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ. (٢)

وفي "طرح التثريب": الحديث فيه استحباب قص الشارب، وهو مُجْمَعٌ على استحبابه، وذهب بعض الظاهرية إلى وجوبه لِمَا رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «قُصُّوا الشَّوَارِبَ» (٣)، وعند مسلم بلفظ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ» (٤). (٥)

وقال المناوي: أخذ بظاهره جمعٌ فأوجبوا قَصَّه، والجمهور على الندب. (٦)

لَكِن اختلف الْفُقَهَاءُ فِي ضَابِطِ الأَخْذِ مِنَ الشَّارِبِ، هَلْ يَكُونُ بِالْقَصِّ أَمْ بِالْحَلْقِ أَمْ بِالإِحْفَاءِ؟

وفصَّل القول في ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله، فقال: وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَحَلْقِهِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ مالك: يُؤْخَذُ مِنَ الشَّارِبِ حَتَّى تَبْدُوَ أَطْرَافُ الشَّفَةِ، وَهُوَ الْإِطَارُ، وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّلَ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ: أَشْهَدُ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَأَرَى أَنْ يُوجَعَ ضَرْبًا مَنْ فَعَلَهُ.

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَمْ أَجِدْ عَنِ الشَّافِعِيِّ شَيْئًا مَنْصُوصًا فِي هَذَا، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَا - المزني والربيع - كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبَهُمَا، وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا أَخَذَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَأَمَّا أبو حنيفة وأصحابه فَكَانَ مَذْهَبُهُمْ فِي شَعَرِ الرَّأْسِ وَالشَّوَارِبِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ.

وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ؛ فَقَالَ الأثرم: رَأَيْتُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُحْفِي شَارِبَهُ شَدِيدًا، وَقَالَ حنبل: قِيلَ لأبي عبد الله: تَرَى الرَّجُلَ يَأْخُذُ شَارِبَهُ أَوْ يُحْفِيهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَأْخُذُهُ؟ قَالَ: إِنْ أَحْفَاهُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ أَخَذَهُ قَصًّا فَلَا


(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥٨٨٩) ك/اللباس، ب/قَصّ الشَّارِبِ، وبرقم (٥٨٩١) ك/اللباس، ب/تَقْلِيم الأَظْفَارِ، وبرقم (٦٢٩٧) ك/الاستئذان، ب/الخِتَان بَعْدَ الكِبَرِ وَنَتْفِ الإِبْطِ، ومسلمٌ في "صحيحه" (٢٥٧) ك/الطهارة، ب/خِصَال الْفِطْرَةِ.
(٢) يُنظر: "المجموع" ١/ ٢٨٧.
(٣) أخرجه أحمد في "مسنده" (٧١٣٢).
(٤) أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" (٢٦٠) ك/الطهارة، ب/خِصَال الفِطْرة.
(٥) يُنظر: "طرح التثريب شرح التقريب" ٢/ ٧٦.
(٦) يُنظر: "فيض القدير" ٦/ ٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>