للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الزُّهريّ، وله طرق أخرى أيضًا عن عائشة مِنْ غير طريق عُروة، وجُلُّها مُخَرَّجٌ في "الصحيحين"، فيرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره" - والله أعلم -.

رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّفُ - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ. (١)

قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.

خامسًا: - التعليق على الحديث:

قال الحافظ ابن حجر: وفيه أن الصلاة إلى النائم لا تكره وقد وردت أحاديث ضعيفة في النهي عن ذلك وهي محمولة - إن ثبتت - على ما إذا حصل شغل الفكر به. (٢)

قلتُ: وقد ورد في بعض طرق الحديث في "الصحيحين" عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها - وَذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ -، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحَمِيرِ وَالْكِلابِ، وَاللهِ لَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ». (٣) واللفظ لمسلم.

وهذا يُعارض في ظاهره لما أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ». (٤)

وقد اختلف العلماء في توجيه هذه الأدلة، فسلكوا في ذلك مسالك شتى؛ فمنهم مَنْ ذهب إلى الترجيح، بين مُرَجِّح لحديث عائشة، وآخر مُرَجّح لحديث أبي هريرة؛ وآخرون قائلون بالنسخ، وأنَّ حديث عائشة ناسخٌ لحديث أبي هريرة، وقائلون بالتأويل، وتعدَّدت أقوالهم، منها: أنَّ القطع في حديث أبي هريرة ليس المراد به بطلان الصلاة، وإنَّما المراد به قطع كمالها وخشوعها، وذلك بالانشغال عنها؛ وذهب آخرون إلى الجمع بين طرفي الأدلة - ولعلَّه هو الأولى، عملاً بجميع الأدلة -، وملخص كلامهم: أنَّ القطع في حديث أبي هريرة خاص بصلاة الفريضة فقط، وقال آخرون: ولعلَّ القطع خاصٌ بالمرور دون النوم أو الجلوس؛ وعدم القطع المفهوم مِنْ حديث عائشة خاصٌ بصلاة النافلة، وقال آخرون: بل هو محمول على النوم والجلوس دون المرور، لذا قال الحافظ ابن حجر: فالظاهر أن عائشة إنما أنكرت إطلاق كون المرأة تقطع الصلاة في جميع الحالات، لا المرور بخصوصه. والأمر مُفصَّلٌ في كتب أهل العلم، فليراجعها مَنْ رام المزيد، والله أعلم. (٥)


(١) وهذا القول ذكره المُصَنِّف - رضي الله عنه - عقب الحديث رقم (٥٥٣) - كما سيأتي بإذن الله - عز وجل -.
(٢) يُنظر: "فتح الباري" (١/ ٤٩٢).
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥١٤) ك/الصلاة، ب/مَنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، والبخاري أيضًا برقم (٥١٩) ك/الصلاة، ب/ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ السُّجُودِ لِكَيْ يَسْجُدَ؟، ومُسلمٌ في "صحيحه" (٥١٢/ ٤ - ٦) ك/الصلاة.
(٤) أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" (٥١١) ك/الصلاة، ب/قَدَرِ مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّي.
(٥) يُنظر: "شرح السنة" للبغوي (٢/ ٤٦١ - ٤٦٣)، "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (٣/ ٢٠٠ - ٢٠١)، و"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" للحازمي (ص/٧٥ - ٧٦)، و"المغني" لابن قدامة (٣/ ٩٤ و ٩٧ - ١٠٣)، و"التمهيد" لابن عبد البر (٢١/ ١٦٨ - ١٧٠)، "فتح الباري" لابن رجب (٤/ ١٠٦ - ١٤٠). و"فتح الباري" لابن حجر (١/ ٥٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>