للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خامساً: - التعليق على الحديث:

قال الخطابي: يُكره أكل لحوم الجلالة وألبانها تنزهاً وتنظفاً؛ وذلك أنها إذا اغتذت بها وجد نتن رائحتها في لحومها، وهذا إذا كان غالب علفها منها؛ فأمَّا إذا رعت الكلأ واعتلفت الحب وكانت تنال مع ذلك شيئاً من الجلة فليست بجلالة، وإنما هي كالدجاج ونحوها من الحيوان الذي رُبَّما نال الشيء منها، فلا يكره أكله.

واختلف الناس في أكلها: فكره ذلك أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وقالوا: لا تُؤكل حتى تحبس أياماً، وتُعلف علفاً غيرها، فإذا طاب لحمها فلا بأس بأكله، ففي الحديث: أنَّ البقر تُعلف أربعين يوماً ثم يؤكل لحمها (١)، وكان ابن عمر - رضي الله عنه - يَحبس الدَّجاجة ثلاثاً ثم يذبح. (٢) وقال إسحاق بن راهويه: لا بأس أن يؤكل لحمها بعد أن يغسل غسلاً جيداً. وكان الحسن البصري لا يرى بأساً بأكلها، وكذلك مالك بن أنس. أ. هـ (٣)

قال ابن حجر: أطلق الشافعية كراهة أكل الجلالة إذا تغيَّر لحمها بأكل النجاسة، وفي وجه إذا أكثرت من ذلك، ورجح أكثرهم أنها كراهة تنزيه؛ ومن حجتهم أن العلف الطاهر إذا صار في كرشها تنجس فلا تتغذى إلا بالنجاسة، ومع ذلك فلا يحكم على اللحم واللبن بالنجاسة، فكذلك هذا؛ وتُعُقِّب: بأنَّ العلف الطاهر إذا تنجس بالمجاورة جاز إطعامه للدابة، لأنها إذا أكلته لا تتغذى بالنجاسة وإنما تتغذى بالعلف، بخلاف الجلالة؛ وذهب جماعة من الشافعية، وهو قول الحنابلة: إلى أن النهي للتحريم، وبه جزم ابن دقيق العيد عن الفقهاء، وصححه القفال، وإمام الحرمين، والبغوي، والغزالي، وألحقوا بلبنها ولحمها بيضها؛ والمعتبر في جواز أكل الجلالة: زوال رائحة النجاسة بعد أن تعلف بالشيء الطاهر على الصحيح؛ وجاء عن السلف فيه توقيت: كما تقدَّم عن ابن عُمر، وأخرج البيهقي بسند فيه نظر، عن عبد الله بن عمرو، مرفوعاً، أنها لا تؤكل حتى تعلف أربعين يوماً. (٤)

* * *


(١) أخرجه الدارقطني في "سننه" (٤٧٥٣)، والحاكم في "المستدرك" (٢٢٦٩)، والبيهقي في "الكبرى" (١٩٤٨٠)، مِنْ طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مُهَاجِرٍ، عن أبيه، عن عبد اللَّهِ بن بَابَاه، عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو، قال: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الإبِلِ الْجَلَّالَةِ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا، ولا يُشْرَبَ لَبَنُهَا، ولا يُحْمَلَ عَلَيْهَا إلا الأُدُمَ، ولا يُذَكِّيَهَا النَّاسُ حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. واللفظ للدَّارقطني. وقال الحاكم: صَحِيحُ الإسنادِ. وقال البيهقي: إسناده ليس بالقوي. وقال الذهبي: إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر وأبوه ضعيفان. والحديث ضَعَّفه ابن الجوزي في "التحقيق" (١٠/ ٢٩٩)، وابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" (٤/ ٦٧٢)، وابن المُلقن في "البدر المنير" (٩/ ٣٨٧)، وابن حجر في "الفتح" (٩/ ٦٤٨)، والألباني في "إرواء الغليل" (٨/ ١٥٢).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٨٧١٧)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٢٤٦٠٨)، وقال ابن حجر في "الفتح" (٩/ ٦٤٨): أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيحٍ، عن ابن عمر.
(٣) يُنظر: "معالم السنن" (٤/ ٢٤٤).
(٤) يُنظر: "فتح الباري" (٩/ ٦٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>