للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثًا: - الحكم على الحديث:

مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ لأجل مُبَارك بن فضالة، يُدَلِّسُ، ورواه بالعنعنة.

وللحديث طُرُق عِدَّة عن أنس في "الصحيحين" - كما سبق -، يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".

وقال ابن كثير - بعد أن ذكر الحديث مِنْ وُجُوهٍ كثيرة عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لأنها تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ. (١)

رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّفُ - رضي الله عنه -: لم يَرْوِه عن مُبَارَكٍ، عن الحَسَنِ وثَابِتٍ جَمِيعًا، إلا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ.

قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّنُ صحة كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه -، وقد رواه أسد بن موسى، وسهل بن حَمَّاد، كلاهما عن المُبارك، عن الحسن - وحده -، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، والله أعلم.

خامسًا: - التعليق على الحديث:

قال ابن رجب: هذا الحديث باهرة من آيات النبوة ومعجزاتها.

وفي هذا الحَدِيثِ - بمجموع رواياته - مِنَ الفَوَائِد: جَوَازُ مُكَالَمَةِ الإمام في الخُطْبَةِ لِلحَاجَةِ.

وفيه: القِيَامُ في الخُطْبَةِ، وأنَّها لا تَنْقَطِعُ بالكلام، ولا تَنْقَطِعُ بالمطر. وفيه: قِيَامُ الوَاحِدِ بِأَمْرِ الجَمَاعَةِ، وإنَّما لم يُبَاشِرْ ذلك بَعْضُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ؛ لأنَّهم كانوا يَسْلُكُونَ الأدب بالتَّسْلِيم، وترك الابتداء بالسُّؤَالِ.

وفيه: إدخال دُعَاءِ الاستسقاء في خُطْبَةِ الجُمُعَةِ، والدُّعَاءُ به على المِنْبَرِ، ولا تحويل فيه، ولا اسْتِقْبَالَ، والاجتزاء بصلاة الجُمُعَةِ عن صلاة الاستِسْقَاء؛ وليس في السِّيَاقِ ما يَدُلُّ على أنَّه نواها مع الجُمُعَةِ.

وفيه: عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ في إِجَابَةِ اللَّهِ دُعَاءَ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَقِبَهُ، أو مَعَهُ، ابْتِدَاءً في الاستسقاء، وانتهاءً في الاستِصْحَاءِ، وامْتِثَالِ السَّحَابِ أمره بِمُجَرَّدِ الإِشَارَةِ. وفيه: الأدبُ في الدُّعَاء؛ حيثُ لَمْ يَدْعُ بِرَفْعِ الْمَطَرِ مُطْلَقًا، لاحتمال الاحتياجِ إلى اسْتِمْرَارِهِ، فاحترز فيه بما يَقْتَضِي رفع الضَّرَر، وإبقاء النَّفْعِ.

ويُسْتَنْبَطُ منه أنَّ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ لا يَنْبَغِي له أَنْ يَتَسَخَّطَهَا لعارضٍ يَعْرِضُ فِيهَا، بل يَسْأَلُ اللَّهَ رَفْعَ ذلك العَارِضِ، وإبقاء النِّعْمَةِ. وفيه: أَنَّ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الضَّرَرِ لا يُنَافِي التَّوَكُّلَ، وَإِنْ كان مقام الأفضل التَّفْوِيض؛ لأنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كان عَالِمًا بِمَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الجَدْبِ، وأخَّر السُّؤَالَ في ذلك تَفْوِيضًا لِرَبِّهِ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ إلى الدُّعَاءِ لَمَّا سَأَلُوهُ في ذلك، بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَتَقْرِيرَ السُّنَّةِ في هذه العِبَادَةِ الخَاصَّةِ. وفيه: جَوَازُ الصِّيَاحِ في المَسْجِدِ بِسَبَبِ الحَاجَةِ المُقْتَضِيَةِ لذلك. وفيه: اليَمِينُ لِتَأْكِيدِ الكلام، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذلك جرى على لِسَانِ أَنَسٍ - رضي الله عنه - بغير قَصْدِ اليَمِينِ. واسْتُدِلَّ به على جَوَازِ الاستسقاء بغير صلاةٍ مَخْصُوصَةٍ. (٢)

* * *


(١) يُنظر: "البداية والنهاية" (٨/ ٥٩٥).
(٢) يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (٨/ ٢٧٣)، و"فتح الباري" لابن حجر (٢/ ٥٠٦ - ٥٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>