للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سادساً: - التعليق على الحديث:

قال الإمام النووي: هذا الحديث مما اختلف العلماء في معناه: فالقول الصحيح الذي قاله المحققون: أنَّ معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء، ويراد نفي كماله، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة، وإنما تأولناه على ما ذكرناه لحديث أبي ذر وغيره: "مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ " قُلْتُ (أبو ذر): وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: «عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ. (١)، وحديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور: أنهم بايعوه - صلى الله عليه وسلم - على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يعصوا …

إلى آخره، ثم قال لهم - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ". (٢)، فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح مع قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)} (٣)، مع إجماع أهل الحق على أنَّ الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يُكفرون بذلك، بل هم مؤمنون ناقصو الإيمان، إن تابوا، سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة، فإن شاء الله تعالى عفا عنهم، وأدخلهم الجنة أولًا، وإن شاء عذبهم، ثم أدخلهم الجنة، وكل هذه الأدلة تضطرنا إلى تأويل هذا الحديث وشبهه. (٤)

* * *


(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (١٢٣٧) ك/الجنائز، ب/مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وبرقم (٣٢٢٢) ك/بدء الخلق، ب/ذِكْرِ المَلَائِكَةِ، وبرقم (٥٨٢٧) ك/اللباس، ب/الثِّيَابِ البِيضِ، وبرقم (٦٢٦٨) ك/الاستئذان، ب/مَنْ أَجَابَ بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وبرقم (٦٤٤٤) ك/الرقاق، ب/قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا»، ومسلمٌ في "صحيحه" (٩٤) ك/الإيمان، ب/مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا دَخَلَ النَّارَ.
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (١٨) ك/الإيمان، ب/عَلَامَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وبرقم (٣٨٩٢) ك/مناقب الأنصار، ب/وُفُودِ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ، وَبَيْعَةِ العَقَبَةِ، وبرقم (٤٨٩٤) ك/التفسير، وبرقم (٦٧٨٤) ك/الحدود، ب/الحُدُودُ كَفَّارَةٌ، وبرقم (٦٨٠١) ك/الحدود، ب/تَوْبَةِ السَّارِقِ، وبرقم (٧٢١٣) ك/الأحكام، ب/بيعة النساء، وبرقم (٧٤٦٨) ك/التوحيد، ب/فِي المَشِيئَةِ وَالإِرَادَةِ، ومسلمٌ في "صحيحه" (١٧٠٩) ك/الحدود، ب/ الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا.
(٣) سورة "النساء"، آية (٤٨).
(٤) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم" (٢/ ٤١ - ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>