للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثًا:- النظر في الخلاف على الحديث:

مما سبق يَتَبَيَّنُ أن الحيث مداره على أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، واختُلف عنه من وجهين:

الوجه الأول: عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود (مَوْقوفًا).

الوجه الثاني: عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود (مرفوعًا).

والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الأول هو الأشبه والأقرب إلى الصواب؛ للقرائن الآتية:

أنَّ الوجه الثاني مَداره على عليّ بن عابسٍ، وهو "ضَعيفٌ"، واضطرب في روايته للحديث، فاختلف عنه فيه مِنْ وجهين - كما سبق - بما يَدل على عدم ضبطه له؛ بينما رواه خُصَيْف بن عبد الرحمن بالوجه الأول ولم يُخْتَلف عليه فيه.

رابعًا:- الحكم على الحديث:

مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ فيه: يوسف بن يونس الأفطس "ضَعيفٌ يُعتبر به"، وعَتَّاب بن بَشير "صدوقٌ، إلا في روايته عن خُصَيف"، وهذا الحديث مِنْ روايته عن خُصَيْف، لكن تابعهما عبد السلام بن حرب المُلَائي عند ابن أبي شيبة - كما سبق في التخريج -.

وفيه: خُصَيْف بن عبد الرحمن "ضَعيفٌ يُعتبر به"؛ وأبو عُبيدة بن عبد الله بن مسعود الراجح أنَّه لم يصح سماعه مِنْ أبيه، وهذا مِنْ روايته عنه، فهو "مُنْقَطِعٌ".

[شواهد للحديث]

أخرج أبو داود، والترمذي، وابن خزيمة، وغيرهما مِنْ طريق جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضُّبَعِيّ، عن عَلِيِّ بن عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ، عن أبي المُتَوَكِّلِ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قال: كان رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ بِاللَّيْلِ كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ»، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا»، ثُمَّ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ». (١)

قال أبو داود: وهذا الحديثُ، يقولون هو عن عَلِيِّ بن عَلِيٍّ، عن الحَسَنِ مُرْسَلًا، الوهم مِنْ جَعْفَر.

وقال الترمذي: وفي الباب عن عَلِيٍّ، وعائِشَةَ، وجَابِرٍ، وجُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، وابن عُمَرَ، وحديثُ أبي سَعِيدٍ أشهر حديثٍ في هذا الباب، وقد أخذ قومٌ مِنْ أهل العلم بهذا الحديث، وأمَّا أَكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ"، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ، وَغَيْرِهِمْ.

وقال ابن خُزيمة: لا نعلم في هذا خَبَرًا ثَابِتًا عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عند أهل المعرفة بالحديث، وأَحْسَنُ إِسْنَادٍ نَعْلَمُهُ رُوِيَ في هذا خَبَرُ أبي المُتَوَكِّلِ، عن أبي سَعِيدٍ، … ثُمَّ قال: ولستُ أكرهُ الافْتِتَاحَ بقوله: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ


(١) أخرجه أبو داود في "سننه" (٧٧٥)، ك/الصلاة، ب/مَنْ رأى الاسْتِفْتَاحَ بِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، والترمذي في "سننه" (٢٤٢)، ك/الصلاة، ب/مَا يَقُولُ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وابن خزيمة في صحيحه" (٤٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>