للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شَبيب بن شَيْبَة "ضَعيفٌ"، وقد خالف ما رواه الثقات عن الحسن البصريّ.

ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:

والحديث مِنْ وجهه الراجح بمجموع طرقه، وشواهده "صَحيحٌ"، والله أعلم.

قلتُ: والحديث قد ثبت بألفاظ أخرى غير مسيرة المائة عام، منها:

• ما أخرجه البخاري في "صحيحه" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». (١)

• وأخرج الإمام الترمذي في "سننه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «أَلا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يُرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».

وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

خامسًا:- النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن شَبِيبِ بن شَيْبَةَ إلا محمدُ بنُ سَعِيدٍ القُرَشِيُّ.

قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّنُ صحة ما قاله المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

سادسًا:- التعليق على الحديث:

قال ابن حبَّان: هَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا مَعْنَاهَا: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، يُرِيدُ جَنَّةً دُونَ جَنَّةِ، الْقَصْدِ مِنْهُ الْجَنَّةُ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَأَرْفَعُ؛ يُرِيدُ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْخِصَالَ، أَوِ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، أَوْ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ الَّتِي يَدْخُلُهَا مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ تِلْكَ الْخِصَالَ، لِأَنَّ الدَّرَجَاتِ فِي الْجِنَانِ يَنَالُهَا الْمَرْءُ بِالطَّاعَاتِ، وَحَطُّهُ عَنْهَا يَكُونُ بِالْمَعَاصِي، الَّتِي ارْتَكَبَهَا. (٢)

وقال ابن القيم: وهذه الألفاظ لا تعارض بينهما بوجه، وريح الجنة نوعان: ريح يوجد في الدنيا تشمه الأرواح، أحيانًا لا تدركه العباد، وريح يدرك بحاسة الشم للابدان، كما يشم روائح الأزهار، وهذا يشترك أهل الجنة في إدراكه في الآخرة من قرب وبعد، وأما في الدنيا فقد يدركه من شاء الله من أنبيائه ورسله.

وقد أشهد الله سبحانه عباده في هذه الدار آثارا من آثار الجنة وأنموذجًا منها من الرائحة الطيبة، واللذات المشتهاة، والمناظر البهية، والفاكهة الحسنة، والنعيم والسرور، وقرة العين، وقد روى أبو نعيم من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله عز وجل للجنة: طيبى لأهلك فتزداد طيبا فذلك البرد الذي يجده الناس بالسحر من ذلك"، كما جعل سبحانه نار الدنيا وآلامها وغمومها وأحزانها


(١) البخاري (٣١٦٦)، ك/الجزية، ب/إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ، و (٦٩١٤)، ك/الديات، ب/إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ.
(٢) يُنظر: "صحيح ابن حبَّان" (كما في الإحسان ١١/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>