للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثًا:- الحكم على الحديث:

مما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيُّ "صحيحٌ". والحديث أخرجه مسلم في "صحيحه"، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي - كما سبق في التخريج -، وصححه ابن عبد البر في "التمهيد". (١)

رابعًا:- النظر في كلام المصنف - رضي الله عنه -:

قال المصنف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن العَبَّاسِ بن سَالِم إلا مُحَمَّدُ بن مُهَاجِر.

قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

خامسًا:- التعليق على الحديث:

- مِنْ النَّاس قومٌ أنار الله بصائرهم، وأراد لهم الهداية، فأخذوا يبحثون عن الحق لاتباعه، وعن الدين القويم لاعتناقه، منهم سلمان الفارسي، وعمرو بن نفيل، وزيد بن سعيد القرشي، وغيرهم، فَمِنْ النَّاس مَنْ أهمَّهم أمر دينهم، وعبادتهم لربهم، فلم تشغلهم المناصب والأموال، ولا الأولاد والزوجات عن معرفة ربّ الأرض والسماوات، ومن هؤلاء: عمرو بن عَبَسة الذي اعتزل عبادة الأوثان في الجاهلية، وكان يرى أنها باطلة، فلمَّا سمِع بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرع إليه، فوجده مستخفيًا - أي بدينه -، فتلطَّف حتى التقى به وآمن به.

- ويدور بينهما هذا الحوار، وفيه استفسر عمرو - رضي الله عنه - عن حقيقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن ما أرسله الله به، لأنه يريد أن يدخل في هذا الدين مطمئنًّا به قلبه؛ فلمَّا رأى ما في هذا الدِّين من توْحيدٍ لربِّ العالمين، وترك عبادة الأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ورأى ما فيه من أخلاقٍ فَطَرَ الله عباده عليها؛ أسرع قائلًا: مَنْ معك على هذا؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حرٌّ وعبْد"، فأسلم في الحال، وكان يقول: "أنا رُبع الإسلام".

- قال ابن كثير: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - حُرٌّ وَعَبْدٌ: اسْمُ جِنْسٍ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، وَقَدْ كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَسْلَمَ قَبْلَ بِلَالٍ أَيْضًا، فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ رُبُعُ الإسلام بحسب علمه، فإن المؤمنين كانوا إذ ذَاكَ يَسْتَسِرُّونَ بِإِسْلَامِهِمْ؛ لَا يَطَّلِعُ عَلَى أَمْرِهِمْ كَثِيرُ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ دَعِ الْأَجَانِبَ دَعْ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مِنَ الْأَعْرَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ا. هـ. (٢)

وقال السندي: قوله: "حرٌّ وعبْد": أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ الْقِسْمَانِ: فَفِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ هُوَ حُرٌّ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ عَبْدٌ. (٣) وهذا ما أكّده علي القاري، فقال: وَلَعَلَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - لَمْ يُذْكَرْ لِصِغَرِهِ، وَكَذَا خَدِيجَةَ لِسَتْرِهَا وَعَدَمِ ظُهُورِهَا. (٤) ولعلَّ هذا هو الأقرب إلى مراد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يكن مراده - صلى الله عليه وسلم - عَدُّ مَنْ أسلم، بل المراد ذكر أنَّ هذا الدِّين يدخل


(١) يُنظر: "التمهيد" (٤/ ١٥).
(٢) يُنظر: "البداية والنهاية" (٤/ ٧٩)، "السيرة النبوية" (١/ ٤٤٣).
(٣) يُنظر: "حاشية السندي على ابن ماجة" (١/ ٤١٢).
(٤) يُنظر: "مرقاة المفاتيح" (١/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>