للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خامساً: - التعليق على الحديث:

- يُبَيُّن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث أنَّ مَن نابه شيء وهو في الصلاة فليُسَبِّح الرجال، وليُصَفِّق النِّساء، فجعل التصفيق للنِّساء، والتسبيح للرجال، ولمَّا صَفَّق الصحابة في الصلاة خلف أبي بكرٍ الصديق - رضي الله عنه - أنْكر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليهم ذلك، وقال: «مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ، مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ». (١) وذكر الإمام الترمذي: أن العمل على هذا الحديث عند أهل العلم. (٢) وقال ابن رجب الحنبلي: وممن رُوي عنه، أنه أفتى بذلك: أبو هريرة، وسالم بن أبي الجعد، وقال به: الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف، وجُمْهُورُ العُلماء مِنْ السَّلَف والخلف.

ثُمَّ قال: ومذهب مالك وأصحابه: أنه يسبح الرجال والنساء.

وحملوا قوله: "إنَّمَا التَّصْفِيْقُ للنِّسَاء" على أن المراد: أنَّه من أفعال النساء، فلا يفعل في الصلاة بحال، وإنما يسبح فيها. وأجاب غير واحدٍ مِن أهل العلم أنَّ تقيد ذلك في بعض الروايات بالصلاة يَدُل على بطلان هذا التأويل الذي ذهب إليه مالك رحمه الله، وأنَّ التسبيحُ خاص بالرجال، والتصفيق خاصٌ بالنساء. (٣)

وقال أبو العبَّاس القُرطُبيُّ بعد ذكره لمذهب الجُمْهُور: وهذا القول هو الصَّحِيحُ خَبَرًا وَنَظَرًا. وقال ابن حزم: رَوَيْنَا عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدريِّ أنَّهُما قالا: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ"، ولا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. (٤)

وقال ابن رجبٍ أيضاً: وإنَّمَا تُصَفِّقُ المرأة إذا كان هناك رجال. فأمَّا إن لم يكن معها غير النساء، فقد ثبت أنَّ عائشة سبَّحت لأختها أسماء في صلاة الكسوف (٥)، فإنَّ المحذور سماع الرجال صوت المرأة، وهو مأمون هاهنا، فلا يُكْره للمرأة أن تُسبِّح للمرأة في صلاتها. ويُكْره أن تُسبِّح مع الرجال. ومن أصحابنا من قال: لا يُكْره. والأول: الصحيح. وقال بعض أصحابنا: الأفضل في حقها مع النساء التنبيه بالتصفيق، أيضاً.

- وقال ابن رجب: قالوا: ولو سَبَّحت المرأة، أو صَفَّق الرجل، فقد خالفا السنة، ولم تبطل صلاتهما بذلك. ويدل عليه: أن الصحابة أكثروا التصفيق خلف أبي بكر الصديق، ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة (٦)، وإنما أمرهم بالأكمل والأفضل. وقد قال طائفة من الفقهاء: متى أكثروا التصفيق بطلت الصلاة. والحديث يدل على


(١) أخرجه البخاري برقم (٦٨٤) ك/الآذان، ب/مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ، جَازَتْ صَلَاتُهُ، ومُسْلمٌ في "صحيحه" (٤٢١) ك/الصلاة، ب/تَقْديم الْجَمَاعَةِ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ إِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَخَافُوا مَفْسَدَةً بِالتَّقْدِيمِ.
(٢) يُنظر: "سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (٣٦٩).
(٣) يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (٩/ ٣٠٨ - ٣٠٩)، ويُنظر أيضاً: "طرح التثريب" (٢/ ٢٤٢ - ٢٤٣).
(٤) يُنظر: "طرح التثريب" (٢/ ٢٤٤)، "فتح الباري" لابن حجر (٢/ ١٧٠).
(٥) أخرجه البخاري في "صحيحه" (١٠٥٣) ك/صلاة الكسوف، ب/صَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الكُسُوفِ.
(٦) سبق تخريجه قريباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>