للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: الحَسَنِ، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ - رضي الله عنه -.

والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني لَعَلَّه هو الأشبه والأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:

١) الحديث بالوجه الأول رواه أبو بلال الأشعريّ، وهو "ضَعيفٌ، يُغرب، ويَتَفَرَّد"، وقد اضطرب فيه، فرواه بالوجه الأول، وبالوجه الثاني، ولم يُتابع على روايته بالوجه الأول، بَيْنَمَا تُوبع على روايته للوجه الثاني.

٢) وأمَّا الحديث بالوجه الثالث: فقد ورد عن الحسن مِنْ طريقين:

أمَّا الطريق الأول: ففي إسناده عُمر بن إبراهيم العَبْدِيّ "حديثه عن قتادة ضَعيفٌ"، يروي عنه ما لا يُتابع عليه. وأمَّا الطريق الثاني: فهي وجادة.

٣) وأمَّا الحديث بالوجه الثاني: فرواه موسى بن داود، والحسن بن عطيَّة وهما "ثِقَتَان"، وأبو بلالٍ الأَشْعَريّ - مِنْ أصح الأوجه عنه -، عن قيس بن الربيع، عن يونس بن عُبيد، عن الحسن.

تنبيهٌ: الوجه الثاني مَدَاره على قيس بن الربيع، وهو "ضَعيفٌ"، وامتُحِنَ بِابن سُوءٍ فَكَانَ يُدْخِل عَلَيْه الحَدِيث فيُجِيبُ فيه ثِقَةً منه بِابْنِهِ؛ وقد اضطرب في هذا الحديث، فرواه بالوجه الأول، والثاني؛ مِمَّا يَدل على عدم حفظه، وضبطه لهذا الحديث، والله أعلم.

خامسًا: - الحكم على الحديث:

مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بهذا اللفظ "مُنْكَرٌ"؛ فيه قيس بن الربيع "ضَعيفٌ"، واضطرب فيه: فرواه مَرَّة بالوجه الأول، ومَرَّة بالوجه الثاني، بالإضافة إلى أنَّ الشِطَر الأول مِنْ الحديث مُخالفٌ لِمَا صَحَّ عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخرج البخاري في "صحيحه" (٧١١٦) ك/الفتن، ب/تَغْيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى تُعْبَدَ الأَوْثَانُ، ومُسْلِمٌ في "صحيحه" (٢٩٠٦) ك/الفتن، ب/لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ دَوْسٌ ذَا الخَلَصَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ (١)، حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ (٢)».

وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَبَالَةَ (٣). ففي هذا الحديث دليلٌ على عودة عبادة الأصنام في جزيرة العرب مَرَّة أخرى.


(١) أَلَيَاتُ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَاللَّامِ، وَمَعْنَاهُ: أعجازهن جمع ألية كجفنة وجفنات، والمراد: يضطربن مِنَ الطَّوَافِ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ أَيْ يَكْفُرُونَ وَيَرْجِعُونَ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَتَعْظِيمِهَا. قَالَ بن التِّينِ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ نِسَاءَ دَوْسٍ يَرْكَبْنَ الدَّوَابَّ مِنَ الْبُلْدَانِ إِلَى الصَّنَمِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ الْمُرَادُ بِاضْطِرَابِ أَلَيَاتِهِنَّ. وقال ابن حجر: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُنَّ يَتَزَاحَمْنَ بِحَيْثُ تَضْرِبُ عَجِيزَةُ بَعْضِهِنَّ الْأُخْرَى عِنْدَ الطَّوَافِ حَوْلَ الصَّنَمِ. يُنظر: "المنهاج شرح مسلم" (١٨/ ٣٣)، "فتح الباري" لابن حجر (١٣/ ٧٦).
(٢) ذُو الْخَلَصَةِ: بِفَتْحِ الخَاءِ، وَاللَّامِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، حَكَى الْقَاضِي فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا هَذَا، وقَالُوا: وَهُوَ بَيْتُ صَنَمٍ بِبِلَادِ دَوْسٍ. يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجَّاج" (١٨/ ٣٣).
(٣) وَتَبَالَةُ: بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبَعْدَ الْأَلِفِ لَامٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ، وهي قَرْيَةٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْيَمَنِ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَهِيَ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ، فَيُقَالُ: أَهْوَنُ مِنْ تَبَالَةَ عَلَى الْحَجَّاجِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا أَوَّلُ شَيْءٍ وَلِيَهُ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهَا سَأَلَ مَنْ مَعَهُ عَنْهَا فَقَالَ: هِيَ وَرَاءَ تِلْكَ الْأَكَمَةِ، فَرَجَعَ، فَقَالَ: لا خَيْرَ في بَلَدٍ يَسْتُرُهَا أَكَمَةٌ، وَكَلَامُ صَاحِبِ "الْمَطَالِعِ" يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مَوْضِعَانِ وَأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ تَبَالَةَ الْحَجَّاجِ، وَكَلَامُ يَاقُوتٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا هِيَ. ورجَّح النووي الثاني. يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجَّاج" (١٨/ ٣٣)، "فتح الباري" لابن حجر (١٣/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>