للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السترة عليه؛ فإن حديث أبي جُحَيفة يدل على أن العنزة كانت معه في حجة الوداع، وأنه صلَّى إليها بمكة. (١)

- وقال الترمذي في "سننه" (٣٣٥) - بعد أنْ أخرجَ حديث طلحة بن عُبيد الله، أنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُبَالِي مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِك" -: حَدِيثُ طَلْحَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قال: والعملُ على هذا عند أهل العلم. وقالوا: سُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ.

- وبهذا يتضح أنَّ حديث الباب لم يصح بهذا اللفظ " سُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةٌ مَنْ خَلْفَهُ "، مرفوعًا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وثُبوته من قول ابن عمر سنده إليه فيه ضعف، بينما صحَّ من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - باتخاذ سُترةٍ له في الصلاة، ولكوْنه لم يأمر الصحابة ممَّن خلفه باتخاذ سُترةٍ لهم، ومرور ابن عبَّاس - رضي الله عنه - وهو على حمارِه بين يدي بعض الصَّف، مع عدم الإنكار عليه، فكل هذا فيه دليلٌ على أنَّ سُترة الإمام سترة لمن خلفه، وهذا هو ما عليه العمل عند أهل العلم كما قال عبد الرزَّاق، والترمذي - والله أعلم -.

رابعًا: - النظر في كلام المصنف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّفُ - رضي الله عنه -: لمْ يروِ هذا الحديث عن عاصم إلا سُوَيد، تفرَّد به الرَّبيع.

- قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ صحة كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

- وقوْل الطبراني هذا نقله عنه غير واحدٍ من أهل العلم - كابن حجر، والشوكاني، والمُناوي - ولم يتعقَّبه أحدٌ من أهل العلم في ذلك - على حد بحثي -، وعليه فيُسَلَّم للطبراني - رضي الله عنه - في ذلك.

خامسًا: - التعليق على الحديث:

- قال ابن خزيمة في "صحيحه": دلَّ حديث عبد الله بن عبَّاس على أَنَّ الْحِمَارَ إِنَّمَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لَا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ بِمُرُورِ الْحِمَارِ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ مَنْ كَانَ خَلْفَهُ فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ سُتْرَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ سُتْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُ، إِذِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ كَانَ يَسْتَتِرُ بِالْحَرْبَةِ إِذَا صَلَّى بِالمُصَلَّى، وَلَوْ كَانَتْ سُتْرَتُهُ لَا تَكُونُ سُتْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُ لَاحْتَاجَ كُلُّ مَأْمُومٍ أَنْ يَسْتَتِرَ بِحَرْبَةٍ، كَاسْتِتَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَا، فَحَمْلُ الْعَنَزَةِ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَتِرُ بِهَا دُونَ أَنْ يَأْمُرَ المَأْمُومِينَ بِالاِسْتِتَارِ خَلْفَهُ كَالدَّالِ عَلَى أَنَّ سُتْرَةَ الإِمَامِ تَكُونُ سُتْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُ. (٢)

- وقال ابن رجب: يستدل بحديث ابن عباس على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، كما استدل به البخاري، وسواء كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ يصلي إلى سترة أو إلى غير سترة؛ لأن قبلته كانت محفوظة عن المرور فيها، وكان هو - صلى الله عليه وسلم - سترة لمن وراءه؛ فلذلك لم يضرهم مرور الحمار بين أيديهم، وهذا قول جمهور العلماء: إن سترة الإمام سترة لمن خلفه. قال ابن المنذر: رُوي ذلك عن ابن عمر، وبه قال النخعي ومالك والأوزاعي وأحمد. ورُوي - أيضا - عن أبي قلابة وعن الشعبي. وذكره عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن فقهاء


(١) يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (٤/ ٢٣).
(٢) يُنظر: "صحيح ابن خُزَيْمة" (٢/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>