للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتعقَّبه ابن حجر أيضًا فيما ذكره مِنْ المتابعات، فقال: والمتابعات التي ذكرها لا تشد هذا الحديث؛ لأنها ضعيفة جدًا، ولعلَّ البخاري إنما أراد بعدم المتابعة في الاستحلاف أو الحديث الآخر الذي أشار إليه. (١)

وقال ابن حجر أيضًا: وأما صنيع علي - رضي الله عنه - في الاستحلاف فقد أنكر البخاري صحته؛ وعلى تقدير ثبوته، فهو مذهب تفرد به، والحامل له على ذلك هو المبالغة في الاحتياط، والله أعلم. (٢)

قلتُ: مجموع كلام مَنْ استنكر الحديث مِنْ أهل العلم إنَّما يَدور حول انْفَراد أسماء بن الحكم بهذا الحديث عن عليّ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه -، والقول بضعفه، فمثله لا يُحتمل مِنْه التَّفرد؛ لكن - بفضل الله - عز وجل - بعد أن ثبت أنَّه "صدوقٌ"، وقد شَهِدَ صِفِّين مع سيدنا عليّ - رضي الله عنه - كما ذكره ابن العديم في "تاريخ حلب -، فأصبح مثله يُحتمل مِنْه التَّفرد، خاصة إذا كان التَّفرد في هذه الطبقة، مع عدم وجود ما يُخالفه، بل ويؤيده ما كان سيدنا عُمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - يَفعله مِنْ سؤال البينة، فهو يدل على أنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يحتاطون في رواية الحديث عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كلٌّ بطريقته الخاصة، فهذا كُلُّه يَدُل على أنَّ الحديث ليس فيه نكارة، ولا غرابة؛ لذا ذهب غير واحد مِنْ أهل العلم إلى القول بقبوله - كما سبق -، والله أعلم.

رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه -:

قال المُصَنِّفُ - رضي الله عنه -: لم يَرْوِه عن مُعَاوِيَةَ بن أبي العَبَّاس إلا مَرْوَانُ، تَفَرَّدَ به: عِيسَى بْنُ المُسَاوِرِ.

قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف - رضي الله عنه -، إلا في قوله: تَفَرَّدَ به: عِيسَى بْنُ المُسَاوِرِ، فقد جانبه الصواب في ذلك، حيث تابعه أيوب بن محمد الوَزَّان، أخرجه ابن عديّ، والإسماعيلي.

خامسًا: التعليق على الحديث:

قال الباقلاني: لم يرد أبو الحسن - رضي الله عنه - بهذا القول إحلاف عُمر سيد المهاجرين والأنصار، وإنما عنى بذلك أنه كان يُحَلِّف من لا صحبة له طويلة، ولا ضبط كضبط غيره، مِمَّن يجوز عليه الغلط، وشيء من التساهل في الحديث على المعنى ونحو ذلك. (٣)

وقال الحافظ ابن حجر: الحديث فيه إِشَارَةٌ إلى أَنَّ مِنْ شَرْطِ قَبُولِ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يُقْلِعَ المُسْتَغْفِرُ عَنِ الذَّنْبِ، وإلا فالاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ مع التَّلَبُّسِ بالذَّنْبِ كالتَّلَاعُبِ. (٤)

* * *


(١) يُنظر: "تهذيب التهذيب" (١/ ٢٦٨).
(٢) يُنظر: "النُّكت على ابن الصلاح" (١/ ٢٤٦).
(٣) يُنظر: "إكمال تهذيب الكمال" (٢/ ١٣٦).
(٤) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (١١/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>