للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحَدِيثِ، ولم يُحَدِّثْ عنه إلا عَلِيُّ ابن رَبِيعَةَ، والكلامُ لم يُرْوَ عن عَلِيٍّ إلا مِنْ هذا الوَجْهِ.

قلتُ: أمَّا قول البخاري، فأجاب عنه المِزِّيُّ بقوله: ما ذكره البخاري - رضي الله عنه - لا يَقدح في صحة هذا الحديث، ولا يُوجب ضعفه، أمَّا كونه لم يُتابع عليه، فليس شرطًا في صحة كل حديث صحيح أن يكون لراويه مُتَابع عليه، وفي الصحيح عِدَّة أحاديث لا تُعرف إلا من وجه واحد، نحو حديث: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ"، الذي أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول وغير ذلك؛ وأما ما أنكره من الاستحلاف، فليس فيه أن كل واحد من الصحابة كان يستحلف من حدثه عَن النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، بل فيه أن عليًا - رضي الله عنه - كان يفعل ذلك، وليس ذلك بمنكر أن يحتاط في حديث النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، كما فعل عُمَر - رضي الله عنه - في سؤاله البينة بعض من كان يروي له شيئا عَنِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - (١)، كما هو مشهور عنه، والاستحلاف أيسر من سؤال البينة، وقد رُوي الاستحلاف عن غيره أيضا؛ على أنَّ هذا الحديث له مُتابع، رواه سُلَيْمان بْن يزيد الكعبي عن المَقْبُريّ، عن أبي هُرَيْرة - رضي الله عنه -، عن عليّ - رضي الله عنه -، ورواه عبد الله بن سَعِيد بن أبي سَعِيد المَقْبُريّ، عن جده، عن علي، ورواه داود بن مهران الدباغ، عَن عُمَر بن يزيد عن أبي إسحاق، عن عَبْد خير، عن عليّ، ولم يذكروا قصة الاستحلاف، والله أعلم. (٢)

وتعقَّبه مُغلطاي، فقال - ما ملخصه -: كلام المزي فيه نظر في مواضع:

الأول: قوله: ما قاله لا يقدح في صحة هذا الحديث، لأن كلام البخاري لا يتمخض لهذا الحديث، ولقائل أن يقول: إنَّما عنى الحديث الآخر الذي أشار إليه إذ هو أقرب مذكور، فَعَطْف الكلام عليه أولى، ويكون قد رد الحديثين جميعًا، الأول: بإنكاره الحلف، والثاني: بعدم المتابعة، لا يتجه غير هذا، وهذا من حسن تصنيف البخاري - رضي الله عنه -، ولهذا قال حين بلغه أن ناسا طعنوا في شيء من "تاريخه": إن شيوخهم لا يهتدون لوضعه.

الثاني: قوله: وقد روى الاستحلاف عن غيره أيضًا مردود بأمرين: الأول: من هو هذا الذي روى عنه ذلك؟ ومن ذكره؟ وفي أي موضع هو؟ بل لقائل أن يقول: لو كان رآه لذكره كما ذكر المتابع، وليس قوله بأولى من قول البخاري النافي، وليست مسألة النافي والمثبت، لعدم التساوي. والثاني: على تقدير وجود واحد أو اثنين لا يقدح في عموم قول البخاري، لاحتمال أن يكون من صغار الصحابة فعله اقتدى بعلي وتقليداً له.

الثالث: قوله ليس فيه - يعني في الحديث - أن كل واحد من الصحابة كان يستحلف من حدَّثه مردود بأن البخاري - رضي الله عنه - لم يقله، ولا هو موجود في كلامه، ولو أراده لما أطاقه، لعدم الإحاطة بكل فرد.

الرابع: قوله: المتابعة ليست شرطاً في صحة الحديث، ومسلم وغيره يشترط أن يكون المنفرد حافظاً ضابطاً ثقة، أما إذا كان بمثل أسماء فيحتاج إلى متابعين. (٣)


(١) أخرجه البخاريّ في "صحيحه" (٦٢٤٥) ك/الاستئذان، ب/التَّسْلِيم وَالِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا، وبرقم (٢٠٦٢) ك/البيوع، ب/الخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه" (٢١٥٣) ك/الآداب، ب/الاستئذان.
(٢) يُنظر: "تهذيب الكمال" (٢/ ٥٣٤).
(٣) يُنظر: "إكمال تهذيب الكمال" (٢/ ١٣٦ - ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>