للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٦٨٩٦)، والبيهقي في "الكبرى" (٢١١٣٣)، وفي "الشعب" (٣٤٩٥ و ١٠٧١٣)، وفي "الآداب" (١٤٨). كلهم من طرقٍ، عن مِسْوَر بن الصَّلْت (١) - مِنْ أصحّ الأوْجه عنه (٢) -، عن محمد بن المُنْكدر، به، مُطوَّلًا.

ب دراسة إسناد الوجه الثاني:

الحديث بهذا الوجه أخرجه البخاري في "صحيحه"، وهذا كافٍ لإثبات صحة إسناد هذا الوجه.

ثالثًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:

مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مداره على محمد بن المُنْكدر، وقد اختُلف عليه فيه من وجهين:

الوجه الأول: محمد بن المُنْكدر، عن جابر بن عبد الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُدَارَاةُ النَّاس صَدَقَةٌ".

الوجه الثاني: محمد بن المُنْكدر، عن جابر بن عبد الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ".

والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه والأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:

١) ضعف إسناد الوجه الأول، ففيه يوسف بن محمد بن المنكدر "ضعيفٌ"، وقال فيه ابن حبّان: يروي عن أبيه ما ليس من حديثه من المناكير التي لا يشك عوام أصحاب الحديث أنها مقلوبة.

وهذا بخلاف الوجه الثاني، فقد رواه أبو غسَّان محمد بن مُطرّف، وهو "ثِقَةٌ". (٣)

٢) وأمَّا المتابعات للوجه الأول فكلها واهية، لا تصلح للاعتبار - كما سبق بيانه ونقله عن أهل العلم -.

وهذا بخلاف الوجه الثاني، فأبو غسَّان قد تابعه سَعْد بن الصَّلت، وعبد الحميد الهلالي، وغيرهما.

٣) إخراج البخاري للوجه الثاني في "صحيحه"؛ ولعلَّ صنيع البخاري - رحمه الله - في "صحيحه" يشير إلى عدم ثبوت الحديث بالوجه الأول "مداراة الناس صدقة" - بهذا اللفظ - حيث بَوَّبَ في "صحيحه" في ك/ الأدب بابًا بعنوان "المداراة مع الناس"، ولم يخرِّج فيه حديث جابر الذي معنا بالوجه الأول، وإنَّما خرَّج حديث عائشة "بِئس أخو العشيرة" - وسيأتي إن شاء الله - عز وجل -، ولم يصنع هنا كما يفعل على عادته أن يُترجم للباب بجزءٍ من الحديث ويذكره معلّقًا، فيقول مثلًا: ب/قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، بل قال: ب/المداراة مع الناس، ثم قال: ويُذكر عن أبي الدرداء: «إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ، وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ». ولو صحَّ حديث جابر بلفظ الوجه الأول، ولو من وجهٍ ضعيف لكان ذِكرُهُ أوْلى - كما هي عادته - وعدم فعله يدلُّ على ترجيح الوجه الثاني، وهذا من بديع وحسن صنيع الإمام البخاري - رحمه الله -.


(١) قال أحمد، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والدارقطني: ضعيفٌ. وقال ابن حبَّان: يَروي عن الثقات الموْضوعات، لا يجوز الاحتجاج به بحال. وقال الأزدي، والنسائي: متروك. "التاريخ الكبير" ٧/ ٤١١، "الجرح والتعديل" ٨/ ٢٩٨، "المجروحين" ٣/ ٣١.
(٢) يُنظر: "تاريخ بغداد" (١٥/ ٣٢٧).
(٣) يُنظر: "التقريب" (٦٣٠٥). وقال يحيى بن مَعين: شيخٌ ثبْتٌ ثقةٌ. "تاريخ بغداد" (٤/ ٤٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>