للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سادساً: - التعليق على الحديث:

قال الإمام الترمذي: والعمل علي هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: لا يرون بالصَّلَاةِ في الكعبة بأسا، وقال مالك بن أنس: لا بأس بالصَّلَاة النَّافِلَة في الكعبة، وكره أن تُصَلَّى المكتوبة في الكَعْبَةِ، وقال الشَّافِعِيُّ: لا بأس أن تُصَلَّى المكتوبة والتَّطَوُّعُ في الكعبة؛ لأنَّ حكم النَّافلة والمكتوبة في الطَّهارة والقِبْلَةِ سَوَاءٌ. (١)

وقال النووي: ذكر مسلم رحمه الله في الباب بأسانيده عن بلال - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة وصلى فيها بين العمودين، وبإسناده عن أسامة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا في نواحيها ولم يُصَلّ (٢)؛ وأجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال؛ لأنه مُثْبِتٌ فمعه زيادة عِلْمٍ، فواجبٌ ترجيحه، والمراد: الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود، ولهذا قال ابن عمر - كما في بعض طُرق الحديث -: "فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ ".

وأمَّا نفي أسامة، فسببه: أنهم لمَّا دخلوا الكعبة، أغلقوا الباب، واشتغلوا بالدعاء، فرأى أسامة النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو، ثم اشتغل أسامة بالدعاء في ناحية من نواحي البيت، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في ناحية أخرى، وبلال قريب منه، ثُمَّ صلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرآه بلال لقربه، ولم يره أسامة لبعده، واشتغاله، وكانت صلاة خفيفة، فلم يرها أسامة لإغلاق الباب مع بعده واشتغاله بالدعاء، وجاز له نفيها عملا بظنه، وأما بلال فحققها، فأخبر بها، والله أعلم.

واختلف العلماء في الصلاة في الكعبة إذا صلى متوجها إلى جدار منها، أو إلى الباب وهو مردودٌ:

فقال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد والجمهور: تصح فيها صلاة النفل وصلاة الفرض.

وقال مالك: تصح فيها صلاة النفل المطلق، ولا يصح الفرض، ولا الوتر، ولا ركعتا الفجر.

وقال محمد بن جرير وأصبغ المالكي وبعض أهل الظاهر: لا تصح فيها صلاة أبداً لا فريضة ولا نافلة، وحكاه القاضي عن ابن عباس أيضًا.

ودليل الجمهور حديث بلال، وإذا صحت النافلة صحت الفريضة؛ لأنهما في الموضع سواء في الاستقبال في حال النزول، وإنما يختلفان في الاستقبال في حال السير في السفر، والله أعلم. (٣)

* * *


(١) يُنظر: "سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (٨٧٤).
(٢) الحديث أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه" (١٣٣٠)، ك/الحج، ب/اسْتِحْبَاب دُخُولِ الكعبة للحَاجِّ وغيره، والصَّلاة فيها، والدُّعاء في نَوَاحِيهَا كُلِّهَا، عن أُسَامَة بن زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ، دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ.
(٣) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (٩/ ٨٢ - ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>