للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢) وأمَّا بقية رواة إسناد هذا الوجه: فقد تَقَدَّمت دراستهم في الوجه الأول.

ثالثاً: - النظر في الخلاف في هذا الحديث:

مِمَّا سبق يتضح أنَّ الحديث مداره على سفيان بن عُيينة، واختُلف عليه فيه من وجهين:

الوجه الأول: سُفْيَانُ، عن مِسْعَرٍ، عن عَمْرِو بن مُرَّةَ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - (مَرْفوعاً).

الوجه الثاني: سُفْيَانُ، عن مِسْعَرٍ، عن عَمْرِو بن مُرَّةَ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - (مَوقوفاً).

ومن خلال ما سبق؛ يَتَبَيَّنُ رُجْحان الوجه الثاني (الموقوف)؛ وذلك للقرائن الآتية:

١) الأكثرية: فالوجه الثاني لم يَنْفَرد به سعيد بن منصور، بل تابعه غيره، وقد صَرَّح بذلك الإمام البيهقي، فقال: وقد رَوَاهُ سَعِيدُ بن مَنْصُورٍ، وَغَيْرُهُ عن سُفْيَانَ، مَوْقُوفًا. (١) ولم أقف بعد البحث على مَنْ تابعه.

وهذا بخلاف الوجه الأول، فقد انفرد به عبد الله بن عِمْران، صَرَّح بذلك غير واحد من أهل العلم، كالآتي:

- قال الإمام الطبراني: لم يَرْفَعْ هذا الحَديثَ عن سُفْيان إلا عَبد الله بن عِمْرَان العَابِدي. (٢)

- وقال ابن شاهين: ولم أعلم أحدًا أَسْندَهُ وَجَوَّدَهُ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بن عِمْرَانَ العَابِدِيُّ. (٣)

- وقال الدَّارقطني: غَرِيب من حَدِيث مِسْعَر، عن عَمْرو، عَنهُ، تَفَرَّد بِهِ: سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَنهُ، وَعنهُ عبد الله بن عِمْرَان العَابدي مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. (٤)

٢) الأَحْفَظِيةُ: فقد اتفق أهل العلم على توثيق سعيد بن منصور وإمامته، بينما قال أبو حاتم عن العابدي: صدوقٌ. وقال ابن حبَّان: يخطئ ويُخالف، وعليه فلا شك أنَّ ابن منصور أحفظ من العَابديِّ.

٣) أنَّ سعيد ابن منصور أثبتُ في سفيان بن عُيَيْنة من العَابديِّ: فإذا اختلفا عنه، قُدِّم ابن منصور.

٤) ترجيح الأئمة للوجه الموقوف على الوجه المرفوع:

- قال ابن شاهين (٥): وحَدِيثُ مِسْعَرٍ قد عُلِّلَ، وقيل: إِنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا على ابن عبَّاسٍ، وَلَمْ أَعْلم أَحَدًا أَسْندَهُ وَجَوَّدَهُ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بن عِمْرَانَ العَابِدِيُّ.

- وقال البيهقي: وَقد غَلَطَ في حديث ابن عَبَّاسٍ بَعْضُ الرُّوَاةِ فرفَعهُ، وهذا خَطَأ، ليس هذا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِنَّمَا هُوَ مِنْ قول ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -. (٦) وبه أيضًا قال ابن خزيمة، وقد أسنده عنه البيهقي كما سبق.

- ورَجَّحه أيضًا الحافظ ابن حجر، فقال: أخرج الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابن عَبَّاسٍ: "لَيْسَ عَلَى الأَمَةِ حَدٌّ حَتَّى تُحْصَنَ"، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، والأَرْجَح وَقفه، وَبِذَلِك جزم ابن خُزَيْمَة وَغَيره. (٧)


(١) يُنظر: "معرفة السنن والآثار" (١٢/ ٣٣٦).
(٢) يُنظر: "المعجم الأوسط" (٣٨٣٤).
(٣) يُنظر: "الناسخ والمنسوخ" (٦٧٣).
(٤) يُنظر: "أطراف الغرائب والأفراد" لابن القيسراني (٢٣٧٨).
(٥) يُنظر: "الناسخ والمنسوخ" (٦٧٣).
(٦) يُنظر: " معرفة السنن والآثار" (١٦٩١٠).
(٧) يُنظر: "فتح الباري" (١٢/ ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>