للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سادسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّفُ - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامٍ إلا إِسْمَاعِيلُ.

قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام بالتَّفرد صحيحٌ.

سابعًا: - التعليق على الحديث:

قال الملا علي القاري (١): قولها: "كَانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ": أي لتكون طهارة في الجملة، إذ ما لا يدرك كله لا يترك كله، ويؤخذ منه: أنه لو كسل أحد من الوضوء أيضاً تيمم، فإنه نوع طهارة، فهو خير من أن ينام على حدث، أو جنابة، ثُمَّ ذكر رواية الباب عند الطبراني، ثُمَّ قال: وهذا كله مبني على الاستحباب إذ ورد في هذا الباب أنه - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلا يَمَسُّ مَاءً (٢).

وقال ابن دقيق العيد: جاء الحديث بصيغة الأمر، وجاء بصيغة الشرط، وهو متمسك لمن قال بوجوبه.

وقال ابن عبد البر: ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه، وهو شذوذ.

وقال ابن العربي: قال مالك، والشافعي: لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ.

واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل، وقال: لم يقل الشافعي بوجوبه، ولا يعرف ذلك أصحابه.

قال ابن حجر: وهو كما قال، لكن كلام ابن العربي محمول على أنه أراد نفي الإباحة المستوية الطرفين، لا إثبات الوجوب، أو أراد بأنه واجب وجوب سنة، أي: متأكد الاستحباب، ويدل عليه أنه قابله بقول ابن حبيب هو واجب وجوب الفرائض، وهذا موجود في عبارة المالكية كثيرًا؛ وأشار ابن العربي إلى تقوية قول ابن حبيب، وبوب عليه أبو عوانة في "صحيحه": باب/إيجاب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم، ثم استدل بعد


(١) يُنظر: "شرح مُسْنَد أبي حنيفة" (ص/٤٧).
(٢) أخرجه ابن ماجه في "سننه" (٥٨١ و ٥٨٢ و ٥٨٣)، ك/الطهارة، ب/في الجنبِ يَنَامُ كَهَيْئَتِهِ لا يَمَسُّ مَاءً، وأبو داود في "سننه" (٢٢٨)، ك/الطهارة، ب/في الجنب يُؤَخِّرُ الغُسْلَ، والترمذي في "سننه" (١١٨ و ١١٩)، ك/الطهارة، ب/فِي الجُنُبِ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، والنسائي في "الكبرى" (٩٠٠٣)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٧٥٧ - ٧٦٢)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبيعي، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، يَقُولُ: «هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ» يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ. وقال الترمذي: وَيَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وقال الطحاوي: قَالُوا: هَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ، اخْتَصَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فَأَخْطَأَ فِي اخْتِصَارِهِ إِيَّاهُ .. وقال ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (١/ ٣٦٢): وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث مِن السلف على إنكاره على أبي إسحاق، مِنهُم: إسماعيل بنِ أبي خالد، وشعبة، ويزيد بن هارون، وأحمد بنِ حنبل، وأبو بكر بنِ أبي شيبة، ومسلم بنِ حجاج، وأبو بكر الأثرم، والجوزجاني، والترمذي، والدَّارقطني، وقال أحمد بنِ صالح المصري الحافظ: لا يحل أن يروي هَذا الحديث. يعني: أنَّهُ خطأ مقطوع بهِ، فلا تحل روايته مِن دونَ بيان علته. وأما الفقهاء المتأخرون، فكثير مِنهُم نظر إلى ثقة رجاله، فظن صحته، وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواة ثقة فَهوَ صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث. ووافقهم طائفة مِن المحدثين المتأخرين كالطحاوي والحاكم والبيهقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>