للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.

سادساً: - التعليق على الحديث:

قال ابن عبد البر: ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ» يُوجب الإدراك التام للوقت والحكم والفضل - إن شاء الله - عز وجل - إذا صلى تمام الصلاة، ألا ترى أن من أدرك الإمام راكعًا فدخل معه وركع قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركعة أنَّه مُدرك عند الجمهور حكم الركعة، وأنَّه كمن ركعها من أول الإحرام مع إمامه، فكذلك مدرك ركعة من الصلاة مدرك لها.

وقد أجمع علماء المسلمين أن من أدرك ركعة مِنْ صلاته لا تجزئه ولا تغنيه عن إتمامها، وفي "الصحيحين" عن أبي هُريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا" (١) وهذا نص يكفي ويشفي، فدل إجماعهم في ذلك على أنَّ حديث الباب ليس على ظاهره، وأنَّ فيه مُضْمَراً بَيَّنَه الإجماع والتوقيف وهو إتمام الصلاة وإكمالها، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: من أدرك ركعة من الصلاة مع إمامه ثم قام بعد سلام إمامه وأتم صلاته وحده على حكمها فقد أدركها، كأنَّه قد صلاها مع الإمام من أولها.

وإذا كان ذلك كذلك فغير مُمْتنع أن يكون مدركاً لفضلها وحكمها ووقتها، فالذي عليه مدار هذا الحديث وفِقْهه أنَّ مُدرك ركعة من الصلاة مُدرك لحكمها في السهو وغيره، وأما الفضل فلا يُدرك بقياسٍ ولا نظرٍ لأنَّ الفضائل لا تُقاس، فربَّ جماعة أفضل من جماعة، وكم من صلاة غير متقبلة من صاحبها، وإذا كانت الأعمال لا تقع المجازاة عليها إلا على قدر النيات - وهذا ما لا اختلاف فيه - فكيف يُعرف قدر الفضل مع مغيب النيات عنا، والمطلع عليهما العالم بها يُجازي كلا بما يشاء لا شريك له، وقد يَقصد الإنسان المسجد فيجد القوم منصرفين من الصلاة فيُكتب له أجر من شهدها لصحة نيته، والله أعلم.

وظاهر هذا الحديث حجة لمن تقلده، وفي هذا الحديث من الفقه أيضاً: أنَّ من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى فصلى ركعتين، ومَنْ لم يُدرك منها ركعة صلى أربعاً؛ لأنَّ في هذا الحديث دليلاً على أنَّ مَن لم يُدرك منها ركعة فلم يُدركها، ومن لم يُدرك الجمعة صلى أربعاً، وهذا موضع اختلف الفقهاء فيه. (٢)

* * *


(١) أخرجه البخاري (٦٣٦) ك/الآذان، ب/لا يَسْعَى إلى الصَّلَاةِ، وليأْتِ بالسَّكِينَةِ والوَقَارِ، وبرقم (٩٠٨) ك/الجمعة، ب/المَشْيِ إلى الجُمُعَةِ، ومسلمٌ (٦٠٢) ك/الصلاة، ب/اسْتِحْبَابِ إِتْيَانِ الصَّلَاةِ بِوَقَارٍ وَسَكِينَةٍ، وَالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِهَا سَعْيًا.
(٢) يُنظر: "التمهيد" لابن عبد البر (٧/ ٦٦ - ٧٧)، ومَن رام المزيد فليُراجع: "فتح الباري" لابن رجب (٥/ ١٤ - ٢٧)، و"فتح الباري" لابن حجر (٢/ ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>