للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رابعاً: - النَّظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِه عن الزُّهْرِيِّ إلا يُونُسُ، ولا عن يُونُسَ إلا ابنُ وَهْبٍ، تَفَرَّدَ به: أبو مَعْمَرٍ.

قلتُ: مِن خلال ما سبق في التخريج يتضح صحة ما قاله المُصَنِّف - رضي الله عنه -؛ أي بالوجه الأول.

خامساً: - التعليق على الحديث:

قال الخطابي: أجمع عامة أهل العلم على أن المُخْتَلس والخائن لا يُقْطَعان، وذلك أنَّ الله سبحانه إنَّمَا أوجب القطع على السارق؛ والسرقة إنما هي أخذ المال المحفوظ سراً عن صاحبه، والاختلاس غير محترز منه فيه. وقد قيل: إنَّ القطع إنما سقط عن الخائن لأنَّ صاحب المال قد أعان على نفسه في ذلك بائتمانه إياه، وكذلك المختلس، وقد يُحتمل: أن يكون إنَّما سقط القطع عنه لأنَّ صاحبه قد يمكنه رفعه عن نفسه بمجاهدته، وبالاستغاثة بالناس، فإذا قَصَّر في ذلك ولم يفعل صار كأنه أتي من قبل نفسه.

وحُكي عن إياس بن معاوية أنَّه قال: يُقطع المختلس، ويحكى عن داود أنه كان يرى القطع على من أخذ مالاً لغيره سواء أخذه من حرز أو غير حرز وهذا الحديث حجة عليه. (١)

قال النووي: صان الله تعالى الأموال بإيجاب القطع على السارق، ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغضب؛ لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمور وتسهل إقامة البينة عليه، بخلاف السرقة فإنه تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها، وقد أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة وإن اختلفوا في فروع منه. (٢) وقال ابن حجر: وأجمعوا أنّه لا قطع على المُخْتلس إلا مَن شَذَّ، وأجمعوا على أن لا قطع على الخائن، ولا على المنتهب إلا إن كان قاطع طريق، والله أعلم. (٣)

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يقطع المنتهب والخائن والمختلس، قال ابن الهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَعَلَيْهِ بَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عمر وابن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ، لَكِنَّ مَذْهَبَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فِي جَاحِدِ الْعَارِيَةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ. انْتَهَى (٤)

* * *


(١) يُنظر: "معالم السنن" (٣/ ٣٠٦).
(٢) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم" (١١/ ١٨٠ - ١٨١).
(٣) يُنظر: "فتح الباري" (١٢/ ٩٢).
(٤) يُنظر: "عون المعبود" (١٢/ ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>