للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رابعاً: - النظر في كلام المصنف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المصنف - رضي الله عنه -: لَمْ يَرْوِهِ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، إِلَّا ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ.

قلتُ: بل أخرجه البَزَّار في "مسنده" (٥٨٥٠)، مِنْ طريق حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن عَجْلان، به.

- لكنْ قد يُعتذر للإمام الطبراني بأنَّ رواية حاتم بن إسماعيل، شاذة لا يُعتبر بها، وعليه فَيُسلَّم للإمام الطبراني فيما قاله بهذا الاعتبار.

خامساً: - التعليق على الحديث:

قال الإمام القرطبي: جاء في بعض الروايات التنبيه على التعليل بمنع التناجي دون الواحد، بقوله:"فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ"، أي يقع في نفسه ما يحزن لأجله، وذلك بأن يُقَدِّر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنَّه لم يروه أهلا ليشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان وأحاديث النفس، وحصل ذلك كله من بقائه وحده، فإذا كان معه غيره أمن ذلك. وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلا، لوجود ذلك المعنى في حقه، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع، فيكون بالمنع أولى. وإنما خص الثلاثة بالذكر، لأنه أول عدد يتأتى ذلك المعنى فيه.

وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال، وإليه ذهب ابن عمر، ومالك، والجمهور، وسواء أكان التناجي في مندوب أو مباح أو واجب فإن الحزن يقع به. وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أول الإسلام، لأن ذلك كان في حال المنافقين فيتناجى المنافقون دون المؤمنين، فلما فشا الإسلام سقط ذلك.

وقال بعضهم: ذلك خاص بالسفر في المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه، فأما في الحضر وبين العمارة فلا، فإنه يجد من يعينه، بخلاف السفر فإنه مظنة الاغتيال وعدم المغيث. (١)

قال الحافظ ابن حجر: وتُعُقب بِأَنَّ هَذَا تَحَكُّمٌ وَتَخْصِيصٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابن الْعَرَبِيِّ الْخَبَرُ عَامُّ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَالْعِلَّةُ - الْحُزْنُ - وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَوَجَبَ أَنْ يعمهما النَّهْي جَمِيعًا. (٢)

- وقال البغوي: وَصَحَّ عَن عَائِشَة: "إِنَّا كُنَّا أَزوَاج النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْده، فَأَقْبَلت فَاطِمَة، فَلَمَّا رَآهَا، رحب، ثُمَّ سَارهَا" (٣)

فَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَن المسارة فِي الجمع، وَحَيْثُ لَا رِيبَة جَائِزَة، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب. (٤)

* * *


(١) "تفسير القرطبي" (١٧/ ٢٩٥)، "شرح مُشْكِل الآثار" (٥/ ٣٥ - ٤٤)، "شرح النووي" (١٤/ ١٦٧)، "معالم السنن" (٤/ ١١٧).
(٢) يُنظر "فتح الباري" لابن حجر (١١/ ٨٥).
(٣) أخرجه البخاري (٦٢٨٥) ك/الاستئذان، ب/ مَنْ نَاجَى بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَمَنْ لَمْ يُخْبِرْ بِسِرِّ صَاحِبِهِ، فَإِذَا مَاتَ أَخْبَرَ بِهِ، ومسلم (٢٤٥٠) ك/ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، ب/ فَضَائِلِ فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، والحديث عندهما مطولاً.
(٤) يُنظر: "شرح السنة" للبغوي (١٣/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>