للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثامنًا: - الحكم على الحديث:

مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "مُنْكرٌ"؛ فيه مُسلم بن خالد الزَّنجيّ "ضَعيفٌ"، وانفرد به عن هِشَام، ولم أقف على مَنْ تابعه عليه، مع مُخالفته لِمَا رواه عامة الثِّقات عن هِشَام بن عُروة - والله أعلم -.

وأمَّا الحديث مِنْ وجهه الراجح "فصحيحٌ لذاته"، وصَحَّح الترمذي بعض طرقه - والله أعلم -.

تاسعًا: - النظر في كلام المُصَنَّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن هِشَامٍ، عن أبيه، عن عبد اللَّهِ بنِ عَمْرٍو إلا مُسْلِمٌ.

قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ صحة كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه -، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبِيٌّ، ولم أقف على ما يدفعه - والله أعلم -.

عاشرًا: - التعليق على الحديث:

قال الترمذي: وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالُوا: لَهُ أَنْ يُحْيِيَ الأَرْضَ المَوَاتَ بِغَيْرِ إِذْنِ السُّلْطَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْيِيَهَا إِلاَّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ. وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّ عَنْ قَوْلِهِ: وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ، فَقَالَ: الغَاصِبُ الَّذِي يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ. قُلْتُ (الترمذي): هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَغْرِسُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ؟، قَالَ: هُوَ ذَاكَ. (١)

قال الخطابي: إحياء الموات إنَّما يكون بحفره وتحجيره وبإجراء الماء إليه وبنحوها من وجوه العمارة، فمن فعل ذلك فقد ملك به الأرض، سواء كان ذلك بإذن السلطان أو بغير إذنه، وذلك لأن هذا كلمة شرط وجزاء فهو غير مقصور على عين دون عين ولا على زمان دون زمان، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم.

وقال أبو حنيفة لا يملكها حتى يأذن له السلطان في ذلك، وخالفه صاحباه فقالا كقول عامة العلماء. (٢)

وقال ابن حبَّان: لَمَّا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْخَبَرِ: "وما أكلت العوافي مِنْهَا، فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ" كَانَ فِيهِ أَبْيَنُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَأَنَّ الذِّمِّيَّ لَمْ يَقَعْ خِطَابُ الْخَبَرِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِذَا أَحْيَى الْمَوَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، إِذِ الصَّدَقَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْمُسْلِمِينَ. (٣)

قال ابن حجر: تعقبه المحب الطبري بأن الكافر إذا تصدق يُثاب عليه في الدنيا، فيُحمل الأجر في حقه على ثواب الدنيا، وفي حق المسلم على ما هو أعم من ذلك، وما قاله محتمل، إلا أنَّ الذي قاله ابن حبَّان أسعد بظاهر الحديث، ولا يُتبادر إلى الفهم من إطلاق الأجر إلا الأخروي. (٤)

* * *


(١) يُنظر: "السنن" عقب الحديث رقم (١٣٧٨). وينظر "الفتح" لابن حجر (٥/ ١٩).
(٢) يُنظر: "معالم السنن" (٣/ ٤٦ - ٤٧)، "شرح السنة" للبغوي (٨/ ٢٧٠ - ٢٧١).
(٣) يُنظر: "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبَّان" (١١/ ٦١٦ - ٦١٧).
(٤) يُنظر: "فتح الباري" (٥/ ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>