للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رابعًا:- النظر في كلام المصنف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المصنف - رضي الله عنه -: لم يَرَوْهُ عن زَيْدٍ إلا عُبَيْدُ اللَّهِ بن عَمْرٍو.

قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ صحة كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

وتَفَرُّد عُبَيْد اللَّهِ بن عَمْرٍو، عن زيد، لا يضر الحديث؛ لكون عُبَيْد اللَّهِ بن عَمْرٍو "ثقةٌ حجةٌ" بالإضافة إلى كَوْنه راوية زيد بن أبي أُنيسة - كما سبق في ترجمته- فله خصوصيته فيه، والله أعلم.

خامسًا:- التعليق على الحديث:

- اشتمل الحديث على النهي عن أكل وادّخار لحوم الأضحية بعد انقضاء ثلاثة أيام، وأنَّ هذا الحكم قد نُسخ بقوله: "فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتزوَّد منها ونأكل منها، يعني فوق ثلاث"، ودلَّ على هذا النَّسخ أيضًا ما جاء في حديث بُرَيدة - عند مسلم في "صحيحه"- "ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث" فهذا حكمٌ مُتَقَدِّم، ثم نَصَّ على ناسخه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فامسكوا ما بدا لكم"، وهذا من ناسخ السُّنَّة بالسُّنَّة، وهو القول الصحيح، وإليه ذهب الجمهور، وهذا يدل على أنّه يُباح للمُضَحِّي في عيد الأضحى أو مَنْ ذبح الهدي من الحجاج - كما دلَّت عليه بعض الروايات- أن يأكل ويدَّخر من الأضحية من العام إلى العام سواءً ادَّخرَ لَحْمًا أو شَحْمًا.

- وجاء في بعض الروايات بيان علة النهي عن الأكل والادّخار فوق ثلاث في أول الأمر؛ وهو أنَّ قومًا من ضعفاء الأعراب وفقرائهم قَدِمُوا المدينة؛ فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يواسي أهلها من لحوم الأضاحي، فنهاهم عن الأكل والادّخار لأجل مواساة هؤلاء الأعراب؛ لضعفهم وجوعهم، ثم أباح بعد هذا العام الأكل والادّخار من الأضاحي بعد ثلاث، وصُرِّح بهذه العلة في أحاديث؛ منها:

ما أخرجه مسلم في "صحيحه" من طريق مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ»، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ، فَقَالَتْ: صَدَقَ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَقُولُ: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ادَّخِرُوا ثَلاثًا، ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ»، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ، فَقَالَ: «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا». (١)

- ونازع القرطبي في "المُفهم" في نسخ النهي عن الأكل والادخار، وأدار الحكم مع علته، وأنّ رفع النهي لارتفاع العلة لا للنسخ، فقال: الفرق بين رفع الحكم بالنسخ ورفعه لارتفاع علته؛ أن المرفوع بالنسخ لا يُحكم به أبدا، والمرفوع لارتفاع علته يعود الحكم لعود العلة، فلو قدم على أهل بلدة ناس محتاجون في زمان الأضحى، ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا لتعين عليهم ألا يَدَّخِرُوها فوق


(١) أخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه" (١٩٧١)، ك/الأضاحي، ب/ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>