للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خامساً: - التعليق على الحديث:

قال الإمام النووي: هذا الحديث فيه دلالة لما قاله الشافعي وموافقوه، أنَّه يُستحب لمن وصل منى راكبًا أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، ولو رماها ماشيا جاز، وأمَّا من وصلها ماشياً فيرميها ماشياً، وهذا في يوم النحر، وأمَّا اليومان الأولان من أيام التشريق: فالسنة أن يرمي فيهما جميع الجمرات ماشياً، وفي اليوم الثالث يرمي راكباً، وينفر، هذا كله مذهب مالك والشافعي وغيرهما.

وقال أحمد وإسحاق: يُستحب يوم النحر أن يرمي ماشياً.

قال ابن المنذر: وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة، قال: وأجمعوا على أن الرمي يجزيه على أي حال رماه إذا وقع في المرمى.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - "لِتَأْخُذْ أُمَّتِي مَنَاسِكَهَا": فهذه اللام لام الأمر، ومعناه: خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيتُ بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات، وهي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس.

وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" (١).

قال الطحاوي: وكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم ليتبعوا آثاره، ويكونوا فيما يفعلونه في حجهم متبعين ممتثلين لأفعاله، غير خارجين عنها إلى زيادة عليها، ولا إلى نقصان عنها. "شرح مشكل الآثار" (٩/ ١٣٥).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا": فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه، وانتهاز الفرصة من ملازمته، وتعلم أمور الدين، وبهذا سميت حجة الوداع. والله أعلم (٢)

* * *


(١) جزء مِنْ حديث أخرجه البخاري في "صحيحه" (٦٣١) ك/الآذان، ب/الأذان للمُسَافر، إذا كانوا جماعة، والإقامة، وبرقم (٦٠٠٨) ك/الأدب، ب/رحمة النَّاس والبهائم، وبرقم (٧٢٤٦) ك/أخبار الآحاد، ب/ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام.
(٢) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (٩/ ٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>