ثالثاً: - النظر في الخلاف على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على محمد بن عَبَّاد المكي، واختلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: محمد بن عَبَّاد، عن حاتم بن إسماعيل، عن عبد الحميد بن جَعْفَر، عن نافع، عن ابن عُمر.
ورواه عن محمد بن عبَّاد بهذا الوجه: أحمد بن علي بن مُسلم الأَبَّار، وهو "ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، حافظٌ" - كما سبق في ترجمته -؛ ولم أقف - على حد بحثي - على مُتابعاتٍ له بهذا الوجه، بل ذكر الطبراني بأنَّه انفرد به، فقال: لم يَرْوِه عن عبد الحميد بن جعفرٍ إلا حاتمُ بنُ إسماعيلَ، تَفَرَّدَ به محمدٌ بن عبَّاد.
قلتُ: ومحمد بن عبَّاد نصَّ البعض - كما سلف في ترجمته - أنَّ له أوهام، والله أعلم.
الوجه الثاني: محمد بن عَبَّاد، عن حاتم، عن موسى بن عُقبة، عن نافع، عن ابن عُمر.
ورواه عن محمد بن عبَّاد بهذا الوجه: محمد بن إسحاق الصَّغاني، وهو أيضاً "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ"؛ إلا أنَّ محمد بن عبَّاد قد تُوبع على رواية هذا الوجه بمتابعات تامة وقاصرة:
- فرواه قُتيبة بن سعيد عند مُسلم في "صحيحه"، وخالد بن خِرَاش عند الطبراني في "الكبير" - كما سبق في التخريج -، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عُقْبة، به.
- وتابعه جماعةٌ - كما سبق في التخريج - عند البخاري ومسلم عن موسى بن عُقبة، به.
وعليه؛ فمِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه، والأقرب إلى الصواب، والله أعلم.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "شاذٌ"؛ لأجل محمد بن عبَّاد، فهو وإن كان ثِقَةً، إلا أنَّه يَهِمُ، وقد اضطرب فيه، فرواه مَرَّة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الحميد بن جعفر، ولم يُتابع على هذا الوجه، ورواه مَرَّة عن حاتم بن إسماعيل عن موسى بن عُقْبة، وقد تابعه الثقات عليه؛ فلمَّا خالف الثقات عن حاتم بن إسماعيل، وانفرد بالوجه الأول، وكان الرواة عنه بالوجهين ثقاتٌ أثبات، دلَّ ذلك على أنَّه ضبط الوجه الثاني دون الأول، فيكون الوجه الأول "شاذٌ"، والثاني "محفوظٌ"، والله أعلم.
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بالوجه الثاني بإسناد أبي عوانة "صَحيحٌ لذاته"، وللحديث مُتابعاتٌ في "الصحيحين" بهذا الوجه، سبق ذكرها في التخريج، والله أعلم.
تنبيهٌ: وللحديث طُرُقٌ أخرى في "الصحيحين" عن نافعٍ عن ابن عُمر مِنْ غير طريق موسى بن عُقْبة:
_ فأخرجه البخاري في "صحيحه" (١٧٢٦) ك/الحج، ب/الحلق والتقصير عند الإحلال، من طريق شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، قال: نَافِعٌ: كان ابنُ عُمَرَ، يَقُولُ: «حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّتِهِ».
_ وأخرج البخاري في "صحيحه" (١٧٢٩) ك/الحج، ب/الحلق والتقصير عند الإحلال، بسنده عن جُوَيْرِيَة بن أسماء، عن نافعٍ، أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ، قَالَ: حَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ.