للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المطلب الخامس: عقيدته]

لاشك أن العقيدة هي الأساس، فلا يصح عمل دون عقيدة، وقد درج العلماء على إملاء معتقدهم كما فعل الإمام سفيان الثوري، وأحمد، والبخاري وغيرهم - كما في مطلع اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي -، وعلى مِنْوال هؤلاء سار الإمام الطبرانيُّ - رضي الله عنه -، فألَّف كتاب "السُنَّة" (١)، ولا شك أنَّ الإمام الطبراني كان على عقيدة السلف الصالح من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ويدل على ذلك أمورٌ:

- قال الإمام أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة: وجدت عن أحمد بن جَعْفَر الفَقِيه، أخبرنا أبو عمر ابن عبد الوَهَّاب، قال سَمِعتُ أبا القَاسِم الطَّبَرَانِيّ - رَحِمَه الله -، يَقُول: لمَّا قَدِمَ أَبُو عَليّ بن رستم من فَارس دخلتُ عَلَيْهِ، فَدخل عَلَيْهِ بعض الكتاب، فصب على رجله خَمْسمِائَة دِرْهَم، فَلَمَّا خرج، قَالَ: ارْفَعْ يَا أَبَا الْقَاسِم هَذَا، فَرَفَعته، فَجعلتُ أُحَدِّثُ إلى أن دَخَلَتْ أم عدنان ابْنَته فصبت على رجله خَمْسمِائَة دِرْهَم، فَقُمْت، فَقَالَ: الى أَيْن يَا أَبَا القَاسِم؟ فَقلت: قُمْتُ لأنَّك تَقول إِنَّمَا جَلَستُ لهَذَا، فَقَالَ: ارفع هَذَا أَيْضًا؛ فَلَمَّا كَانَ آخر أمره تكلم فِي أبي بكر وَعمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - بِبَعْض شَيْء، فَخرجت من عِنْده، وَلم أعد إِلَيْهِ بعد.

قال أبو زكريا ابن مندة: فرحم الله تَعَالَى أَبَا الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ مَا أحسن سيرته وطريقته فِي هجران أهل الْبدع، فقد هجر أَبَا عَليّ بن رستم بعد انعامه عَلَيْهِ، وأياديه لَدَيْهِ؛ لمَّا ظهر مِنْهُ بعض شَيء من حال أبي بكر وَعمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - لأنَّ حبهما إيمانٌ، وبغضهما نفاقٌ. (٢)

- وقال ابن مندة: إنَّ الإِمام أبا القَاسِم الطَّبَرَانِيّ - رضي الله عنه -، قد أَقَامَ نَفسه بما قد نسبه أهل الْبدع والخلاف، اقْتِدَاءً بالأئمة السّلف وَالصَّالِحِينَ قبله بِهَذِهِ النِّسْبَة إِلَيْهِم - وهي وصفهم لأهل الحديث بالمُشبِّهة والحشوية -، مَعَ أنَّ المبتدعة والمخالفين له كانوا يموتون على علو إِسْنَاده، وَكَثْرَة أَحَادِيثه، وقد سمعُوا مِنْهُ ورووا عنه مع هذا ويطعنون عليه، ويزعمون أنَّه كان حشويًا، وهل يضر القَمَر نباح الْكَلْب؟. (٣)

- قلتُ: ومِنْ أكبر الأدلة على ذلك أنَّه ألَّف عِدَّة مُؤَلَّفات للرَّد على المُبْتدعة والزَّنادقة، منها: "بيان كُفر مَنْ قال بخلق القرآن"، و"الرد على المعتزلة"، و"الرد على الجهمية"، و"فضائلُ عليّ - رضي الله عنه - " (٤)، و"فضائل العلم واتباع الأثر وذم الرأي والهوى" (٥)، و"ذكر الخلافة لأبي بكرٍ وعُمر"، و"فضائل العرب وعُثمان وعليّ - رضي الله عنهم - " (٦).


(١) هذا الكتاب ذكره ابن مندة في "جزء فيه ذكر أبي القاسم الطبراني" (ص/٦٦)، وقال يقع في عشرة أجزاءٍ، وذكره الحافظ الذهبيُّ في كتاب "العرش" (٢/ ٣١٥ - ٣١٦)، و"العلو" (ص/٢٢٧)، وهو أحد موارده في الكتابين، وقال: صَنَّف الحافظ الكبير أبو القاسم الطبراني نزيل أَصْبَهَان في كتاب "السنة" له: باب ما جاء في استواء الله تعالى على عرشه، وأنه بائن من خلقه.
(٢) يُنظر: "جزءٌ فيه ذكر أبي القاسم الطبراني" (ص/٤٥ - ٤٦).
(٣) يُنظر: "جزءٌ فيه ذكر أبي القاسم الطبراني" (ص/٦١).
(٤) يُنظر: "جزءٌ فيه ذكر أبي القاسم الطبراني" (ص/٦٧).
(٥) يُنظر: "جزءٌ فيه ذكر أبي القاسم الطبراني" (ص/٦٨).
(٦) يُنظر: "جزءٌ فيه ذكر أبي القاسم الطبراني" (ص/٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>