للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تنبيه: وللحديث طريقٌ آخر عن أنس، أخرجه ابن سَمْعون الواعظ في "أماليه" (٦٢) - ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٣٠/ ١٣٦) -، من طريق الخَلِيل بن زَكريَّا، قال: حَدَّثنا محمَّد بن ثَابِتٍ، قال: حَدَّثني أبى ثَابِتٌ البُنَانيُّ، عن أنس - رضي الله عنه -، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالُوا: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: فَأَبُوهَا إِذَنْ. قلتُ: فيه الخليل بن زكريا "متروكٌ"، وكَذَّبه بعضهم. (١) فلا يُعْتبر به.

سادساً: - التعليق على الحديث:

• أخرج الترمذي، والحاكم مِن حديث أسامة بن زيد، أنَّ علياً والعباس رضى الله عنهما دخلا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالا: يَا رَسُولَ اللهِ جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ أَيُّ أَهْلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، فَقَالَا: مَا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِكَ. قَالَ: أَحَبُّ أَهْلِي إِلَيَّ مَنْ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتُ عَلَيْهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. قَالَا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلْتَ عَمَّكَ آخِرَهُمْ؟ قَالَ: لأَنَّ عَلِيًّا قَدْ سَبَقَكَ بِالهِجْرَةِ. (٢) وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَكَانَ شُعْبَةُ يُضَعِّفُ عُمَر بن أبي سَلَمَة. وقال الحاكم: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وتعقبه الذهبي، فقال: عُمَر بن أبي سلمة ضعيفٌ.

وحاول بعض أهل العلم الجمع بين رواية الباب وهذا الحديث: فقال ابن العربي: كان أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، وأحب أزواجه إليه عائشة، وأحب أهله إليه فاطمة، وعليّ من رجالهم، وبهذا الترتيب تأتلف الأحاديث، ويرتفع عنها التعارض. (٣)

- وقال المُناوي: ليس هناك تعارضٌ بينهما، لما تَقَرَّرَ أن جهات المحبة مختلفة، فكأنه قال: كل من هؤلاء أحبُّ إليَّ مِن جهةٍ مخصوصة لمعنى قام به وفضيلة تخصه.

وقال أيضًا: قوله: (أحب الناس إلي) أي: مِنْ حلائلي الموجودين بالمدينة إذ ذاك (عائشة) يعني: بالمدينة؛ وإلا فمحبة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لخديجة أمر معروفٌ شهدت به الأخبار الصحاح، وأصله قول الكشاف: يقال في الرجل أعلم الناس وأفضلهم، يراد: من في وقته. وإنما كانت عائشة أحب إليه من زوجاته الموجودات حالتئذ لاتصافها بالفضل وحسن الشكل. قال القرطبي: فيه جواز ذكر الأحب من النساء والرجال وأنه لا يعاب على من فعله إذا كان المقول له من أهل الخير والدين، ويقصد بذلك مقاصد الصالحين وليقتدي به في ذلك، فيحب من أحب، فإن المرء مع من أحب. وإنَّما بدأ بذكر محبته عائشة لأنها محبة جبلية ودينية، وغيرها دينية لا جبلية؛ فسبق الأصل على الطارئ. (٤)

* * *


(١) يُنظر: "تهذيب الكمال" ٨/ ٣٣٥، "التقريب" (١٧٥٢).
(٢) أخرجه الترمذي في "سننه" (٣٨١٩) ك/المناقب، ب/مَنَاقِبِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه -، والحاكم في "المستدرك" (٣٥٦٢).
(٣) يُنظر: "عارضة الأحوذي" (١٣/ ٢٤٧، ٢٤٨)، "شرح مُشْكِل الآثار" (١٣/ ٣٢٨ - ٣٣٣).
(٤) يُنظر: "فيض القدير" (١/ ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>