للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثًا:- الحكم على الحديث:

_ مما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكَرٌ"؛ فيه: أبو بكر بن أبي مريم "ضَعيفٌ"، وانفرد بروايته، فلم يتابعه عليه أحد من الثقات.

_ وأخرجه الترمذي - كما سبق -، وقال: غَريبٌ. وقال الذهبي: إسناده ضعيف مِنْ قِبَلِ أبي بكر.

_ ومِمَّا يؤكِّد نكارته أنّ هذا الحديث ظاهره يدلُّ على وقوع الأمور الأربعة الواردة في الآية على هذه الأمة، وهي: عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، وأنَّها كائنة، لكنَّ وقت وقوعها لمْ يأتِ بعد.

وهذا مخالف لِمَا ثَبَتَ في "صحيح البخاري" عن جَابِرٍ بن عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، قَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} (١)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَذَا أَهْوَنُ - أَوْ هَذَا أَيْسَرُ -». (٢)

قال ابن حجر في "الفتح" (٣): وَقد روى ابن مرْدَوَيْه من حَدِيث ابن عَبَّاسٍ مَا يُفَسِّرُ بِهِ حَدِيثَ جَابِرٍ، وَلَفْظُهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ أُمَّتِي أَرْبَعًا، فَرَفَعَ عَنْهُمْ ثِنْتَيْنِ، وَأَبَى أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ اثْنَتَيْنِ، دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ الرَّجْمَ مِنَ السَّمَاءِ وَالْخَسْفَ مِنَ الأَرْضِ، وَأَنْ لا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَلا يُذِيقُ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْخَسْفَ وَالرَّجْمَ وَأَبَى أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ الأُخْرَيَيْنِ" (٤).

قال ابن بطَّال: أَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَ نَبِيِّهِ فِي عَدَمِ اسْتِئْصَالِ أُمَّتِهِ بِالْعَذَابِ، وَلَمْ يُجِبْهُ فِي أَنْ لَا يُلْبِسَهُمْ شِيَعًا - أَيْ فِرَقًا مُخْتَلِفِينَ - وَأَنْ لَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ - أَيْ بِالْحَرْبِ وَالْقَتْلِ بِسَبَبِ ذَلِكَ - وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ لَكِنْ أَخَفُّ مِنَ الِاسْتِئْصَالِ، وَفِيه للْمُؤْمِنين كَفَّارَة. (٥)

- قلتُ: وأمَّا ما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" بسنده عن أُبيّ بن كعب في قوْله تعالى: {هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ


(١) سورة "الأنعام"، آية (٦٥).
(٢) أخرجه البخاري (٤٦٢٨) ك/التفسير، ب/قوْله تعالى: {هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}. وبرقم (٧٤٠٦) ك/التوْحيد، ب/قوْله تعالى: {كُلُّ شيءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه}.
(٣) يُنظر:"فتح الباري" ٨/ ٢٩٢.
(٤) أخرجه الطبراني في "الكبير" (١٢٠٤٩)، والضياء في "المُختارة" (١٥٢)، من طريق إسحاق بن عبد الله بن كيسان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، فذَكَره مُطوّلًا. وفيه إسحاق بن عبد الله، قال البخاري: مُنكر الحديث. يُنظر: "الميزان" ١/ ١٩٤، و"اللسان" ٢/ ٦٣. وأبو عبد الله بن كيسان "ضعيف"، وقال ابن عدي: له عن عكرمة عن ابن عبَّاس أحاديث غير محفوظة. وقال ابن حبَّان: يُتقى حديثه من رواية ابنه عنه. يُنظر: "الكامل" ٥/ ٣٨٧، "الثقات" لابن حبَّان ٧/ ٣٣، "تهذيب الكمال" ١٥/ ٤٨١، "التقريب، وتحريره" (٣٥٥٨). وقال ابن كثير في "تفسيره" ٤/ ٢٢٣: هذا حديثٌ غريب، وسِياقٌ عجيب.
(٥) يُنظر: "فتح الباري" ١٣/ ٢٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>