للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رابعًا:- النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لا يُرْوَى عن الطُّفَيْلِ بن عَمْرٍو إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: إسماعيلُ بن عَيَّاشٍ.

قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

خامسًا:- التعليق على الحديث:

اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث؛ قال الخطابي: اختلف الناس في معنى هذا الحديث، وتأويله، فذهب قوم من العلماء إلى ظاهره، فرأوا أن أخذ الأجرة والعوض على تعليم القرآن غير مباح، وإليه ذهب الزهري وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه. وقالت طائفة: لا بأس به ما لم يشترط، وهو قول الحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، وأباح ذلك آخرون، وهو مذهب عطاء، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، واحتجوا بحديث سهل بن سعد قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: «قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». (١) وتأولوا حديث الباب على أنه أمرٌ كان تبرع به ونوى الاحتساب فيه، ولم يكن قصده وقت التعليم إلى طلب عوض ونفع، فحذره النبي - صلى الله عليه وسلم - إبطال أجره وتوعده عليه، ولو أنه طلب لذلك أجرة قبل أن يفعله حسبة كان ذلك جائزاً. وأهل الصفة قوم فقراء كانوا يعيشون بصدقة الناس فأخذ الرجل المال منهم مكروه ودفعه إليهم مستحب. وقال بعض العلماء: أخذ الأجرة على تعليم القرآن له حالات: فإذا كان في المسلمين غيره مِمَّن يقوم به حل له أخذ الأجرة عليه، لأن فرض ذلك لا يتعين عليه، وإذا كان في حال أو موضع لا يقوم به غيره لم يحل له أخذ الأجرة، وعلى هذا تأول اختلاف الأخبار فيه.

وفي الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا فِي سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعَمْ، فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقَالَ: حَتَّى أَذْكُرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا رَقَيْتُ إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟»، ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا مِنْهُمْ، وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ». (٢) قال الخطابي: وفيه بيان جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ولو كان ذلك حراماً لأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٢٣١٠)، ك/الوكالة، ب/وكالة المرأة الإمام في النكاح، وبرقم (٥٠٢٩)، ك/فضائل القرآن، ب/خيركم مَنْ تعلَّم القرآن وعلمه، وبرقم (٥٠٣٠)، ك/فضائل القرآن، ب/القِرَاءَة عن ظَهْرِ القَلْبِ، وبرقم (٥٠٨٧)، ك/النكاح، ب/تزويج المعسر، ومسلم في "صحيحه" (١٤٢٥)، ك/النكاح، ب/الصَّدَاق، وَجَوَاز كَوْنِهِ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ، وَخَاتَمَ حَدِيدٍ.
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٢٢٧٦)، ك/الإجارة، ب/مَا يُعْطَى في الرُّقْيَةِ على أَحْيَاءِ العَرَبِ، وبرقم (٥٠٠٧)، ك/فضائل القرآن، ب/فضل فاتحة الكتاب، وبرقم (٥٧٣٦)، ك/الطب، ب/الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وبرقم (٥٧٤٩)، ك/الطب، ب/النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ، ومسلمٌ في "صحيحه" (٢٢٠١)، ك/السلام، ب/جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ. واللفظ لمسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>