للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

برد القطيع، فلمَّا صَوَّب فعلهم، وقال لهم: أحسنتم، ورضي الأجرة التي أخذوها لنفسه، فقال: اضربوا لي معكم بسهم، ثبت أنه مباحٌ، وأنَّ المذهب الذي ذهب إليه من جَمَعَ بين أخبار الإباحة والكراهة في جواز أخذ الأجرة على ما لا يتعين الفرض فيه على معلمه، ونفى جوازه على ما يتعين فيه التعليم مذهب سديدٌ. (١)

وقال النووي بعد أن ذكر حديث الرقية: هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر، وأنها حلال لا كراهة فيها، وكذا الأجرة على تعليم القرآن، وهذا مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وآخرين من السلف ومن بعدهم، ومنعها أبو حنيفة في تعليم القرآن، وأجازها في الرقية. (٢)

وقال ابن حجر: وفي الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَرُّوا بِمَاءٍ، فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَاءِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ، إِنَّ فِي المَاءِ رَجُلا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى شَاءٍ، فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، حَتَّى قَدِمُوا المَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ». (٣) هذا الحديث استدل به الجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وخالف الحنفية فمنعوه في التعليم، وأجازوه في الرقى كالدواء، قالوا: لأن تعليم القرآن عبادة والأجر فيه على الله، وهو القياس في الرقى، إلا أنهم أجازوه فيها لهذا الخبر، وحمل بعضهم الأجر في هذا الحديث على الثواب، وسياق القصة التي في الحديث يأبى هذا التأويل؛ وادعى بعضهم نسخه بالأحاديث الواردة في الوعيد على أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وتعقب بأنه إثبات للنسخ بالاحتمال وهو مردودٌ، وبأنَّ الأحاديث ليس فيها تصريح بالمنع على الإطلاق، بل هي وقائع أحوال محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب، وبأنَّ الأحاديث المذكورة أيضا ليس فيها ما تقوم به الحجة فلا تعارض الأحاديث الصحيحة. (٤)

وذهب بعض أهل العلم على أنَّ الإباحة محمولة على أخذ الأجرة من بيت مال المسلمين، فهذا جائز، كما يُعطى الأئمة والمؤذنون والقضاة؛ والخلاف إنما هو فيما كان على وجه الارتزاق، فهذا جوّزه بعضهم، ومنعه آخرون، وقال بعضهم بجوازه مع الحاجة دون الغنى، وقال بعضهم بجوازه إذا دفع إليه من غير سؤال ولا استشراف نفس، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإنما تنازع العلماء في جواز الاستئجار على تعليم القرآن والحديث والفقه على قولين مشهورين، هما روايتان عن أحمد: إحداهما - وهو مذهب أبي حنيفة وغيره -: أنه لا يجوز الاستئجار على ذلك، والثانية- وهو قول الشافعي -: أنه يجوز الاستئجار، وفيها قول ثالث في مذهب أحمد: أنه يجوز مع الحاجة دون الغني، ويجوز أن يعطى هؤلاء من مال المسلمين على التعليم؛ كما


(١) يُنظر: "معالم السنن" للخطابي (٣/ ٩٩).
(٢) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (١٤/ ١٨٨).
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥٧٣٧)، ك/الطب، ب/الشَّرْطِ فِي الرُّقْيَةِ بِقَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ.
(٤) يُنظر: "فتح الباري" (٤/ ٤٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>