للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سادساً: التعليق على الحديث:

• سبق أن صحَّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه حكم بجلد الأمة الزانية، أُحصنت أم لم تُحْصن، فأخرج البخاريُّ ومسلمٌ في "صحيحيهما"، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: «إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)} (١).

واختلف العلماء في المراد بالإحصان في الآية، والحديث، وعليه اختلفوا في حكم جلد الأمة قبل الزَّواج، بعد الإجماع على سقوط الرجم عن الأمة، وجلدها نصف ما تُجلد به الحُرة بعد الزواج:

- فقال الحافظ ابن حجر: اختُلِفَ في إِحْصَانِ الأمة، فقال الأكثرون: إحصانها التَّزْوِيج، وقيل العِتْق، وعن ابن عَبَّاسٍ، وطَائِفَةٍ: إِحْصَانُهَا التَّزْوِيجُ، وَنَصَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وإسماعيلُ القاضي، واحتجَّ له: بأنَّهُ تَقَدَّمَ في الْآيَة، قَوْله تَعَالَى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (٢) فَيَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ فإذا أَسْلَمْنَ؛ قال: فإن كان المراد التَّزْوِيجَ، كان مَفْهُومُهُ أَنَّهَا قبل أَنْ تَتَزَوَّجَ لا يَجِبُ عَلَيْهَا الحَدُّ إذا زنت، وقد أخذ به ابن عَبَّاسٍ، فَقَالَ: "لا حَدَّ عَلَى الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ"، وبه قال جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وهو قَوْلُ أبي عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّامٍ، وهو وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، واحتجَّ بِمَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابن عَبَّاسٍ: "لَيْسَ عَلَى الأَمَةِ حَدٌّ حَتَّى تُحْصَنَ" وَسَنَدُهُ حَسَنٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، والأرجح وَقفه، وبذلك جزم ابن خُزَيْمَة، وغيره. وإذا حُمِلَ الإِحْصَانُ في الحديث على التَّزْوِيجِ وفي الآيَةِ على الإِسْلَامِ حَصَلَ الجَمْعُ، وقد بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهَا إذا زَنَتْ قَبْلَ الإِحْصَانِ تُجْلَدُ. وقال: التَّقْيِيدُ بالإِحْصَانِ يُفِيدُ أَنَّ الحُكْمَ في حَقِّهَا الجَلْدُ لا الرَّجْمُ، فَأُخِذَ حُكْمُ زِنَاهَا بَعْدَ الإِحْصَانِ مِنَ الكِتَابِ، وَحُكْمُ زِنَاهَا قَبْلَ الْإِحْصَانِ مِنَ السُّنَّةِ، والحِكْمَةُ فيه أَنَّ الرَّجْمَ لا يَتَنَصَّفُ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الْجَلْدِ فِي حَقِّهَا. (٣)

- قال البيهقيُّ: ويُحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَصَّ على الجَلْدِ في أَكْمَلِ حَالَيْهَا لِيُسْتَدَلَّ به على سُقُوطِ الرَّجْمِ عَنْهَا لا على إِرَادَةِ إِسْقَاطِ الجَلْدِ عنها إذا لم تَتَزَوَّجْ، وقد بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ عَلَيْهَا الجَلْد وَإِنْ لَمْ تُحْصَنْ. (٤)

- وقال البيهقي: فَيَكُونُ جَلْدُهَا بَعْدَ إِحْصَانِهَا بِالنِّكَاحِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ، وَجَلْدُهَا قَبْلَ إِحْصَانِهَا بِالنِّكَاحِ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ فِي قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِحْصَانَ


(١) سورة "النساء"، آية (٢٥).
(٢) سورة "النساء"، آية (٢٥).
(٣) يُنظر: "فتح الباري" (١٢/ ١٦١ - ١٦٢).
(٤) يُنظر: "معرفة السنن والآثار" (١٢/ ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>