للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والحديث ذكره الهيثمي، وقال: رواه الطَّبرانيُّ في "الأوسط"، وفيه محمَّد بن إبراهيم أخو أبي مَعْمَرٍ - ونقل أقوال أهل العلم في توثيقه - وبقيَّةُ رجالِه رِجَالُ الصَّحِيحِ. وقال الألباني: إسناده صحيحٌ. (١)

قلتُ: وفي الباب في ثبوت بركة السّحُور، دون تسميته بالغداء، ما أخرجه البخاري، ومسلم في "صحيحيهما" عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً». (٢)

رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف - رضي الله عنه - على الحديث:

قال المُصَنِّف - رضي الله عنه -: لا يُرْوَى هذا الحديث عن عُمَرَ إلا مِنْ هذا الوجه، ولا نعلم رَوَاه عن ابن عُيَيْنَةَ إلا محمَّدُ بن إبراهيم أخو أبي مَعْمَرٍ.

قلتُ: مِنْ خلال ما سبق يتضح صحة قول المُصَنِّف - رضي الله عنه -.

خامساً: - التعليق على الحديث:

قال ابن المنذر: أجمع العلماء أن السحور مندوب إليه مستحب، ولا مأثم على من تركه، وحضَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أمته، عليه ليكون قوة لهم على صيامهم. (٣)

وقال الحافظ ابن حجر: البركة في السَّحور تحصل بجهات مُتَعددة، وهي: اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يُثيره الجوع، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام.

قال ابن دقيق العيد: هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية: فإنَّ إقامة السُنَّة يُوجب الأجر وزيادته؛ ويُحْتَمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية: كقوة البدن على الصوم، وتيسيره من غير إضرار بالصائم.

قال: ومما يُعَلَّلُ به استحباب السحور: المخالفة لأهل الكتاب، لأنه مُمْتَنِعٌ عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأجور الأخروية. وقال أيضا: وقع للمتصوفة في مسألة السحور كلام من جهة اعتبار حكمة الصوم، وهي: كسر شهوة البطن والفرج؛ والسحور قد يباين ذلك، قال: والصواب أن يقال: ما زاد في المقدار حتى تنعدم هذه الحكمة بالكلية فليس بمستحب، كالذي يصنعه المترفون من التأنق في المآكل وكثرة الاستعداد لها وما عدا ذلك تختلف مراتبه. (٤)

ويحصل السُّحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب، فقد أخرج ابن حبَّان في "صحيحه" (٣٤٧٦) بإسناد حسن، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرو - رضي الله عنه -، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ».


(١) يُنظر: "مجمع الزوائد" (٣/ ١٥١)، "السلسلة الصحيحة" (٦/ ١٢٠٥).
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (١٩٢٣) ك/الصوم، ب/ بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ، ومسلم في "صحيحه" (١٠٩٥) ك/الصيام، ب/ فَضْلِ السُّحُورِ وَتَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِهِ، وَاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهِ وَتَعْجِيلِ الْفِطْرِ.
(٣) يُنظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (٤/ ٤٥).
(٤) يُنظر: "فتح الباري" (٤/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>