للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسكت على السَّاكتين، والسلف في هؤلاء على قولين: البعض على أنَّهم مِن الناجين، والبعض على أنَّهم مِن الهالكين، والأول أولى كما قال ابن كثير (١).

وحذرنا ربنا عزّ وجلّ مِن مُخالطة العصاة والكافرين، فقال - سبحانه وتعالى -: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠)} (٢)، قال القرطبي: في هذه الآية دليلٌ على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم مُنْكَرٌ، لأنَّ مَن لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}، فكل من جلس في مجلس معصية ولم يُنكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن يُنكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية، وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بَيَّنا فَتَجَنُّبُ أهل البدع والأهواء أولى.

وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: "فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ"، في رواية أبي داود بلفظ: "بِبَعْض"، قال العظيم آبادي في "عون المعبود": قال ابن الملك رحمه اللَّهُ: البَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أي سَوَّدَ اللَّهُ قلب من لم يعص بِشُؤْمِ مَنْ عصى فَصَارَتْ قُلُوبُ جَمِيعِهِمْ قَاسِيَةً بَعِيدَةً عَنْ قَبُولِ الحَقِّ والخَيْرِ أو الرَّحْمَةِ بِسَبَبِ المَعَاصِي ومُخَالطة بعضهم بعضا. قال القاري: وقوله: "قلب مَنْ لم يَعْصِ" ليس على إطلاقه لأنَّ مُؤَاكَلَتَهُمْ وَمُشَارَبَتَهُمْ مِنْ غير إكراه وإلجاء بعد عَدَمِ انتهائِهِم عن مَعَاصِيهِم مَعْصِيَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ لأنَّ مُقْتَضَى البُغْضِ في اللَّهِ أنْ يَبْعُدُوا عنهم ويُهاجروهُمُ. قُلْتُ (العظيم آبادي): ما قال القاري حَقٌّ صُرَاحٌ. (٣)

* * *


(١) يُنظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير ٣/ ٤٩٦.
(٢) سورة "النساء"، آية (١٤٠).
(٣) يُنظر: "عون المعبود" (١١/ ٤٨٧ - ٤٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>