للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحاديث من عدة عن الصحابة من طرق مختلفة كثيرة يشد بعضها بعضاً، وإن كان كل واحد ضعيفاً، لكن يحدث عند الاجتماع ما لا يحدث عند الانفراد، على أن بعض طرقها صحيحة!! وذلك يكفي للاحتجاج. (١)

وقال ابن الهَمَام - بعد أن ذكر الحديث بطرقه وشواهده -: فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَعَدِّدَةُ الطُّرُقِ، وَذَلِكَ يَرْفَعُ الضَّعِيفَ إلَى الْحَسَنِ، وَالْمُقَدَّرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ مِمَّا لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ، فَالْمَوْقُوفُ فِيمَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ، بَلْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِكَثْرَةِ مَا رَوَى فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِمَّا أَجَادَ فِيهِ ذَلِكَ الرَّاوِي الضَّعِيفُ؛ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ. (٢)

قلتُ: ومِنْ المقرر عند أهل هذا الفن أن ليس كل ضَعيفٍ يصلح للاعتبار (٣)، كما هو الحال في حديث الباب، فجميع طُرُقه تدور بين متروكٍ أو مُتَّهمٍ، لذا أنكره غير واحدٍ مِنْ أهل العلم، والله أعلم.

وقال الألباني: مُنْكَرٌ. (٤)

قلتُ: والحديث مع شدة ضعف راويه فهو مُخالفٌ لمَا صَحَّ عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -:

أخرج البخاري ومُسْلمٌ في "صحيحيهما" عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي». (٥)

وأخرج الإمام مالك، والبخاري - تعليقًا -، قال: وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدّرَجَةِ (٦) فِيهَا الكُرْسُفُ فِيهِ


(١) يُنظر: "البناية شرح الهداية" (١/ ٦١٨)، "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (٣/ ٣٠٧).
(٢) يُنظر: "فتح القدير" (١/ ١٦٥).
(٣) قال ابن الصلاح في "معرفة علوم الحديث" (ص/١٠٤): ليسَ كلُّ ضَعْفٍ في الحديثِ يزولُ بمجيئِهِ مِنْ وجوهٍ، بلْ ذلكَ يتفاوتُ: فمنهُ ضَعْفٌ يُزيلُهُ ذلكَ، بأنْ يكونَ ضَعْفُهُ ناشئاً مِنْ ضَعْفِ حفظِ راويهِ مَعَ كونِهِ مِنْ أهلِ الصِّدقِ والديانةِ، فإذا رأينا ما رواهُ قدْ جاءَ مِنْ وجهٍ آخرَ، عَرَفنا أنَّهُ ممَّا قدْ حفظَهُ، ولَمْ يختلَّ فيهِ ضبطُهُ لهُ، وكذلكَ إذا كانَ ضَعْفُهُ مِنْ حيثُ الإرسالُ، زالَ بنحوِ ذلكَ، كما في المرسلِ الذي يُرسِلُهُ إمامٌ حافظٌ، إذ فيهِ ضَعْفٌ قليلٌ يزولُ بروايتِهِ منْ وجهٍ آخرَ، ومِنْ ذلكَ ضَعفٌ لا يزولُ بنحوِ ذلكَ لقوّةِ الضَّعْفِ وتقاعدِ هذا الجابرِ عَنْ جَبْرِهِ ومقاومَتِهِ، وذلكَ كالضَّعْفِ الذي ينشأُ مِنْ كونِ الراوي متَّهَماً بالكذِبِ أو كونِ الحديثِ شاذّاً. وهذهِ جملةٌ تفاصيلُها تُدْرَكُ بالمباشرةِ والبحثِ، فاعلمْ ذلكَ فإنَّهُ مِنَ النَّفائِسِ العزيزةِ، واللهُ أعلمُ.
(٤) يُنظر: "السلسلة الضعيفة" (٣/ ٦٠٠/حديث ١٤١٤).
(٥) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٢٢٨) ك/الوضوء، ب/غسل الدم، وبرقم (٣٠٦) ك/الحيض، ب/الاستحاضة، وبرقم (٣٢٠) ك/الحيض، ب/إِقْبَالِ المَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ، وبرقم (٣٣١) ك/الحيض، ب/إِذَا رَأَتِ المُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ، ومسلمٌ في "صحيحه" (٣٣٣) ك/الحيض، ب/الْمُسْتَحَاضَةِ وَغَسْلِهَا وَصَلَاتِهَا.
(٦) الدِّرَجَة: بكسر أوله، وفتح الراء والجيم، جمع دُرْج بالضم ثم السكون، قال ابن بطال: كذا يرويه أصحاب الحديث، وضبطه ابن عبد البر: بالضم ثم السكون، والمراد به: ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا، وقوله: الكُرْسُف بضم الكاف والسين المهملة، بينهما راء ساكنة، هو القطن. "فتح الباري" لابن حجر (١/ ٤٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>