للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال بعض الناس: الظاهر أنهما امتنعا معا زهدم والرجل التيمي، وحمله على دعوى التعدد استبعاد أن يكون الشخص الواحد ينسب إلى تيم الله وإلى جرم، ولا بُعْدَ في ذلك، فقد أخرج الإمام أحمد، فقال في روايته: عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ يُقَالُ لَهُ: زَهْدَمٌ قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَأُتِيَ بِلَحْمِ دَجَاجٍ (١)؛ فعلى هذا فلعل زهدمًا كان تارة ينسب إلى بني جرم، وتارة إلى بني تيم الله، وجرم قبيلة في قضاعة، يُنْسَبُون إلى جرم بن زبان - بزاي، وموحدة ثقيلة - بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وتيم الله بطن من بني كلب، وهم قبيلة في قضاعة أيضًا، يُنْسَبون إلى تيم الله بن رفيدة - براء، وفاء مصغراً - بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، قال الرشاطي في "الأنساب": وكثيرًا ما يَنْسِبُون الرجل إلى أعمامه.

قلت (ابن حجر): ورُبَّمَا أبهم الرجل نفسه، فلا بُعْدَ في أن يكون زَهْدَم صاحب القصة، والأصل عدم التعدد؛ والحديث أخرجه غير واحد مِنْ عِدَّة طُرُقٍ، وصَرَّحَ زَهْدَم فيها بأنَّه صاحب القصة، فهو المُعْتَمد، ولا يُعَكِّرُ عليه إلا ما وقع في "الصحيحين" مِمَّا ظاهره المغايرة بين زَهْدَم، والممتنع من أكل الدجاج، ففي رواية: عن زَهْدَم، قال: "كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ المَوَالِي … الحديث"، فإنَّ ظاهره أن الداخل دخل وزَهْدَم جالسٌ عند أبي موسى، لكن يجوز أن يكون مراد زَهْدَم بقوله: "كُنَّا" قومه الذين دخلوا قبله على أبي موسى، وهذا مجاز قد استعمل غيره مثله، كقول ثابت البناني: خطبنا عمران بن حُصَين، أي: خطب أهل البصرة، ولم يدرك ثابت خطبة عمران المذكورة، فيُحْتَمل أن يكون زَهْدَم دخل، فجرى له ما ذكر، وغاية ما فيه: أنه أبهم نفسه، ولا عجب فيه.

قوله: "إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ قَذَرًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ لا آكُلَهُ": كأنَّه ظن أنها أكثرت من ذلك بحيث صارت جَلَّالة، فَبَيَّن له أبو موسى أنها ليست كذلك، أو أنَّه لا يلزم من كون تلك الدجاجة التي رآها، أن يكون كل الدجاج كذلك. (٢)

وقال المباركفوري: في الحديثِ دُخُولُ المَرْءِ على صديقه في حال أكله، واسْتِدْنَاءُ صاحب الطَّعَام الدَّاخِلَ، وعَرْضُهُ الطَّعَامَ عليه، ولو كان قَلِيلًا؛ لأنَّ اجْتِمَاع الجماعةِ على الطَّعَام سَبَبٌ لِلْبَرَكَةِ فيه؛ وفيه إباحةُ لحم الدَّجَاجِ، وملاذِّ الأَطْعِمَةِ. (٣)

* * *


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٩٥٩٣).
(٢) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ٦٤٦ - ٦٤٧).
(٣) يُنظر: "تحفة الأحوزي" (٥/ ٤٤٩)، و"المنهاج شرح صحيح مسلم" (١١/ ١١١ - ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>