للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المراسيل التي يمكن قبولها، فليس كما قيل بأنها من شر المراسيل، ولا من أشدها ضعفاً (١). وذهب إلى ذلك أيضًا د/محمد عواجي فَبَيَّن أنَّ مراسيله مقبولة، خاصة فيما لا يتعلق بالحلال والحرام. (٢)

- وأما التدليس: فقد وصفه به غير واحد كالشافعي، والدارقطني، والذهبي، لكنهم اختلفوا في طبقته:

أ فالعلائي قد عَدَّه في المرتبة الثانية من مراتب المدلسين - وهم من احتمل الأئمة تدليسهم، وإن لم يُصرحوا بالسماع، وذلك إما لإمامتهم أو لقلة تدليسهم بالنسبة لمجموع مروياتهم -، بل ووصفه الذهبي في الميزان فقال: كان يدلس في النادر. وقال الحلبي: مشهور بالتدليس، وقد قَبِل الأئمة قوله "عن".

ب ولم يخالف هؤلاء إلا الحافظ ابن حجر، فجعله في المرتبة الثالثة - وهم من أكثروا من التدليس، فلم يقبل الأئمة من أحاديثهم إلا ما صرّحوا فيه بالسماع على الراجح -.

قلتُ - والله أعلم -: وقد بيّن د/عبد الله دَمْفُو، أن كلام الحافظ فيه نظر؛ لكونه لم يوافقه أحد على ذلك، بالإضافة إلى أن الحافظ قد صرّح في "الفتح": بأن الزهري قليل التدليس (٣)؛ فلعل اجتهاده قد تغير بعد ذلك. وذهب د/محمد عواجي أيضًا إلى نُدْرة تدليسه، وأنه من الطبقة الثانية. (٤)

وعليه فالراجح: أنَّه قليل التدليس؛ لكن قَيَّده أستاذنا الفاضل أ. د/أحمد معبد، فقال: وعلى هذا تُحمل عنعنة الزهري عن من أدركه، أو لقيه على الاتصال، ما لم يأت نافٍ لذلك. (٥)

وقال الشيخ/ طارق عوض الله: نعم؛ لا ينبغي أن يُتوقف في عنعنة الزهري، بل الظاهر أنه لا يُدلّس إلا في النادر، فلا تُحمل عنعنته على التدليس إلا حيث يظهر في الحديث نكارة، فتُحمل على العنعنة. (٦)

وعليه فالحاصل: أنه "ثِقَةٌ، حَافِظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ إلا أن مراسيله يُمكن قبولها والاحتجاج بها، وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك". (٧)

٥) أنس بن مالك بن النضر، أبو حمزة الأنصاري، الخزرجي، المُفتي، المُقرئ، المحدّث.

روى عن: النبي - صلى الله عليه وسلم - علماً جماً، وأبي بكر، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهم -، وآخرين.


(١) ومما استدل به على ذلك أن الزهري معروف بحرصه وحثه على رواية الأحاديث بأسانيدها، فهو الذي قال لابن عُيينة - حين قال له: هاته - أي الحديث - بلا إسناد - فقال الزهري: أترقى السِّطْح بلا سُلّم. وهو الذي قال أيضاُ لأهل الشام - عموماً - مالي أرى أحاديثكم ليس لها أَزِمَّة، ولا خُطْم؟. بل وقد سبق أقوال أهل العلم فيه، يكفيه ما قاله الإمام أحمد عنه: الزهري أحسن الناس حديثا، وأجود الناس إسناداً.
(٢) يُنظر: "مرويات الإمام الزُّهري في المغازي" د/ محمد بن محمد عواجي (١/ ١٢٨).
(٣) يُنظر: "فتح الباري" (١/ ٤٢٧).
(٤) يُنظر: "مرويات الإمام الزُّهري في المغازي" د/ محمد بن محمد عواجي (١/ ١٣١).
(٥) يُنظر: تعليقه على "النفح الشذي" (١/ ٤٧٨).
(٦) يُنظر: "تذهيب تقريب التهذيب" (٤/ ٤٩٥).
(٧) يُنظر: "تاريخ دمشق" ٥٥/ ٢٩٤، "تهذيب الكمال" ٢٦/ ٤١٩، "إكمال تهذيب الكمال" ١٠/ ٣٤٠، "السِيَر" ٥/ ٣٢٦، "جامع التحصيل" ص/٢٦٩، "تعريف أهل التقديس" (ص/٤٥)، "التقريب" (٦٢٩٦). وترجمته مطولة، ومبثوثة في جُلّ كتب التراجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>