للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

- لكن يا تُرى ما حقيقة تلك المعية؟ أهي الاستواء في الدرجات؟ أم كلٌ في درجته ومكانه مع إمكان الرؤية إن أرادوا، وإن تباعدت الدرجات والأماكن؟!

فذهب إلى الأول ابن بطال؛ مُعَلِّلًا ذلك بأنه لمَّا كان مُحِبًّا لهم من أجل طاعتهم لله، والمحبة عملا من أعمال القلوب، أثابه الله مثل ثوابهم، إذ النية هي الأصل، والعمل تابع لها، والله يؤتي فضله من يشاء.

بينما ذهب النووي، وابن حجر، والقسطلاني إلى الأمر الثاني؛ فقال النووي: لا يَلزم من كوْنه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه مثلهم من كل وجه. وقال ابن حجر: ليس من لازم المعية الاستواء في الدرجات. وزاد القسطلاني، فقال: بأنه يتمكن كل واحد منهما من رؤية الآخر، وإن بَعُدَ المكان؛ لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضاً، وإن أرادوا الرؤية والتلاقي قدروا على ذلك.

- إلا أن هذا الحديث قيّده بعض أهل العلم بشرطٍ: وهو أن المرء إذا أحبهم عَمِل أعمالهم.

لكنَّه شرطٌ مُقَيدٌ بالقدرة والاستطاعة، ويدل على ذلك ما جاء في بعض روايات الحديث: "أن رجلاُ قال: يا رسول الله! الرجل يُحِبُّ القوْم ولم يَبْلُغ عَمَلَهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". (١)

لذا قال الإمام النووي: ومن فضل محبة الله ورسوله امتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، والتأدب بالآداب الشرعية؛ ولا يُشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم، إذ لو عمله لكان معهم، أو مثلهم. (٢)

* * *


(١) أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (٢٦٤٠)، ك/البر والصلة، ب/المرء مع من أحب.
(٢) يُنظر في شرح هذا الحديث: "المنهاج شرح صحيح مُسْلم" (١٦/ ١٨٦)، "فتح الباري" لابن حجر (١٠/ ٥٦٠)، "شرح البخاري" لابن بطال (٩/ ٣٣٣)، "إرشاد الساري" للقسطلاني (٦/ ١٠٣)، "المقاصد الحسنة" للسخاوي (ص/٣٧٩)، "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (٣/ ٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>