للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بل ووبّخهم الله - عز وجل - في كتابه فقال - وهو أصدق القائلين -: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٤٤)}. (١)

قال ابن كثير: ولم يكن هذا الذم، والتعذيب، والتوْبيخ بسبب أمرهم بالبر مع تركهم له، بل بسبب تركهم له، فإنّ الأمر بالمعروف معروف، وواجبٌ على العالم، لكن الواجب على العالِم والأوْلى أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلف عنه، كما قال شعيبٌ - عليه السلام -: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)}. (٢) (٣)

فالواجب على الخطيب والداعية أن يُخلص نيته لله - عز وجل - أولًا، ثم يحرص على طلب العلم النافع، ثم العمل بهذا العلم، والدعوة إلى الله - عز وجل - به، قال - سبحانه وتعالى -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)}. (٤)

وليحذر من تثبيط الشيطان له، بأنه لم يفعل ما يقوله، ولم ينتهِ عما ينهى الناس عنه، بل يحرص على الطاعة ما أمكنه، مع الدعوة إلى الله - جل جلاله -؛ قال سعيد بن جبيْر: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء: ما أمر أحد بمعروف، ولا نهى عن منكر، قال مالك: وصدق، مَن ذا الذي ليس فيه شيء؟!

لذا قال ابن كثير: الصحيح أن العالِم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه.

* * *


(١) سورة "البقرة"، آية (٤٤).
(٢) سورة "هود"، آية (٨٨).
(٣) يُنظر: "تفسير القرآن العظيم" (١/ ٢٤٧).
(٤) سورة "يوسف"، آية (١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>