للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وختامًا: جعلنا الله - عز وجل - مِمَّن تَكَلَّف الجَهْدَ في حِفْظِ السُّنَنِ ونَشْرِها، وتمييز صحيحها مِنْ سقيمها، والتفقه فيها، والذب عنها، إنَّه المَانُّ على أوليائه بمنازل المُقَرَّبين، والمُتفضِّلُ على أحبابه بدرجة الفائزين. (١)

هذا وإنِّي أضع بين أيديكم هذا الجُهْدَ الذى هو نهاية علمي، وغاية فهمي، وحصيلة سهري وتعبي، وعلى كل حالٍ فهو جُهدٌ متواضعٌ في خدمة السُّنَّة، حرصتُ أن أسلك فيه سُبُل المُحَدِّثين، وأن أقتفي آثار الحُفَّاظ المُتَقَدِّمين، فإن وُفِّقْتُ فالفضل كله لله تعالى، وإن زَلَّ قلمي، أو تَعَثَّرْتُ في شيء مِنْه، فمن نفسي وقلَّة علمي، وبسبب ذنوبي وآثامي - عاملنا الله بلطفه وستره ورحمته -.

والأمر كما قال القاضي عبد الرحيم البيساني - رضي الله عنه -: إني رأيتُ أنَّه لا يكتب أحد كتاباً في يومهِ إلا قال في غَدِهِ: لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يُستحَسن، ولو قُدَّم هذا لكان أفضل، ولو تُرِك هذا لكان أجمل، وهذا أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر، فأرجو مسامحة ناظريه فهم أهلوها، وأؤمل جميلهم فهم أحسن النَّاس وجُوهًا. (٢)

وإني لأتمثل في هذا المقام بقول من قال مِنْ أهل العلم:

وما كنتُ أهلًا للذي قد كَتَبْتُه … وإنِّي لفي خوفٍ مِنْ الله نادم

ولكنَّنِي أرجو مِنْ الله عفوه … وإنِّي لأهل العلم لا شك خادم (٣)

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وإمامنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


(١) مُقتبسٌ مِنْ كلام ابن حبَّان في كتابه "الثقات" (٩/ ٢٩٧).
(٢) يُنظر: "إتحاف السادة المتقين" للزَّبيديّ (١/ ٣)، وهي من رسالة البيساني إلى العماد - رحمهما الله تعالى -.
(٣) قالها الشيخ/ محمد بن محمد بن أبي حامد بن حسن بن علي المالكي البكري، المُتوفى سنة (٩١٨ هـ)، عقب نسخه لكتاب "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي. يُنظر: مقدمة التحقيق لـ "شرح علل الترمذي" بتحقيق د/هَمَّام سعيد (١/ ٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>